ديمقراطية بساقين !!

د. ياسين سعيد نعمان
الثلاثاء ، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٠١ صباحاً
يعقد حزب العمال البريطاني مؤتمره السنوي في مدينة ليفربول معقل اليسار البريطاني تاريخياً، وذلك بعد عام من انشقاقات خطيرة تعرض لها بسبب اصرار قاعدة الحزب الواسعة على رفض المنهج السياسي والاجتماعي لمراكز الحزب القيادية التي تفاعلت على نحو سلبي مع التطور الذي شهده المجتمع البريطاني لتعبر بالحزب من اليسار الى يسار الوسط ثم الى ما يقترب من يمين الوسط ... حتى انه لم تعد هناك فوارق جوهرية مع حزب المحافظين الذي يتداول معه تشكيل الحكومة دوريا عبر النظام البرلماني الأقدم والأكثر تطوراً في العالم .
 
 
لم تقبل قواعد الحزب ومعها النقابات العمالية الكبرى بهذا التحول الذي اصاب منهج الحزب فجاءت بقيادي من الصفوف الخلفية backbench معروف بمواقفه اليسارية الصلبة هو جيرمي كوربن وفرضته عبر انتخابات حزبية ديمقراطية كزعيم للحزب الامر الذي استفز مراكز القوى في الحزب وشنوا عليه هجوماً واسعاً منذ اليوم الاول بانه ليس الشخص المناسب الذي يمكن ان يقود الحزب لتشكيل الحكومة في الانتخابات القادمة .. كان هذا اخطر صدام بين الديمقراطية الداخلية للحزب والتقديرات التحكمية لمراكز القوى حول مستقبل الحزب في ظل القيادة الجديدة .. وهو الامر الذي دفع بنقاشات واسعة حول احترام خيارات الناس باعتبارها اساس الديمقراطية . خلال عام كامل والشرخ يتعمق داخل الحزب حتى تم الاتفاق على اجراء انتخابات اخرى يتنافس فيها الزعيم المنتخب مع مرشح مراكز القوى المعارضة له ، وللمرة الثانية تمسكت القواعد بخيارها بفوز مرشحها كوربن مؤكدة على ضرورة استعادة جوهر الحزب بالرغم من كل التحذيرات التي يطلقها الآخرون من ان الحزب لن يتمكن بسبب هذه السياسة والقيادة من الفوز في الانتخابات القادمة .
 
 
تبلورت الأزمة في منهجين :منهج براجماتي تمثله كثير من القيادات البرلمانية وأعضاء حكومة الظل والزعامات الكبيرة ويعتقد انه كلما غادر الحزب جذوره الاجتماعية كلما قرب من الناخب الذي تغيرت اختياراته وأولوياته بسبب التغير الذي حدث في المجتمع كمل . اما الثاني فهو المنهج الأصيل للحزب الذي يميزه عن غيره والذي تمثله أغلبية القواعد الحزبية ومعها الاتحادات العمالية وبعض القيادات ويسعى الى اعادة الحزب الى جذوره الاجتماعية والسياسية المعبرة عن مصالح الطبقة المتوسطة والعمالية ، وترى هذه القاعدة الواسعة ان الحزب بتعبيره عن هذه المصالح قادر على ان يحافظ على توازن اجتماعي يمنع الصراعات والصدامات التي تعرضت لها كثير من المجتمعات الأوربية .
 
 
ما الذي يحمله المستقبل لهذا الحزب ومعه منظومة الديمقراطية التعددية البريطانية بشكل عام ؟! سئل احد قادة حزب المحافظين عن تاثير وضع حزب العمال على الحياة الديمقراطية ..فأجاب لا يمكن ان تستقيم الحياة الديقراطية على ساق واحدة بل لا بد من ساق اخرى قوية الى جانبها ..ومن الخطأ ان يفرح المحافظون لأي انهيار يصيب حزب العمال والعكس صحيح .
 
 
لكن اهم ما قاله احد المحللين هو ان اليسار الاوربي الناجح هو الذي يعلن موقفاً ويرتاح لحكومة ترفض هذا الموقف ، كأن يعلن موقفاً معارضاً للسلاح  النووي ولكنه يرتاح للحكومة التي ترفض موقفه .. كوربن لم يستوعب هذه الحقيقة حتى الان ولذلك ستظل هناك فجوة بينه وبين القيادات الاخرى في حزبه .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي