الوحدة بعيون «إسماعيل»

كتب
الجمعة ، ١٨ مايو ٢٠١٢ الساعة ١١:٥٥ مساءً
عبدالعزيزالهياجم ونحن نعيش أجواء العيد الثاني والعشرين لتحقيق الوحدة وقيام الجمهوريـة اليمنيـة فـي الثانـي والعشرين من مايو 1990, لا شك أننا نواجه وضعاً مختلفاً نعجز معه عن الحديث عن منجزات عقدين ونيّف من عمر الوحدة , ليبقى الأهم والوقوف أمام 22شهراً من عمر المرحلة الانتقالية التي نأمل أن لا تذهب هدراً في جدل بيزنطي عقيم كما ذهبت أعوام وأعوام. هذا العام وعلى الرغم من بساطة الاحتفالات كما نتوقع وكما يفترض في مثل هكذا ظروف صعبة , إلا أن الرمزية الكبيرة للعيد الثاني والعشرين هو أن العالم سيشاهد «رئيساً جنوبياً للمرة الأولى» يرعى احتفالات عيد الوحدة ما يفتح أبواب التفاؤل على مصراعيها للتفكير بواقعية في الآليات الكفيلة بتحقيق الشراكة والمواطنة المتساوية في ظل بلد موحد ومستقر. أعود بالذاكرة الى ما قبل إعلان قيام الوحدة بأيام قلائل , ونحن متجهون من شرعب إلى تعز بسيارة «صالون» الأخ إسماعيل عبد الرزاق عبد العليم , حينها قال إسماعيل عبارة شهيرة لا أزال أتذكرها الى اليوم..قال “ خلاص , الحين سوف نتوحد وسيأتي إخواننا في الشطر الجنوبي بنظامهم الاشتراكي الصارم الذي يطبق القوانين بحذافيرها على الكبير والصغير , ولن نعاني بعد الوحدة من ابتزاز رجال المرور وإصرارهم على إبقاء فوضى حركة السيارات حتى يمكن لهم «السلبطة» «والترزق على حساب سائقي الأجرة المساكين». لم يكن إسماعيل ماركسياً لينينياً ولا شيوعياً صينياً, ولكنه كان يحلم بدولة نظام يسود فيها القانون على الجميع , ويبحث الجميع تحت ظله عن أبواب الرزق الحلال الذي يضمن مستوى معقولاً من العيش الكريم دون أن يظل هو وغيره من مالكي السيارات الأجرة يكدحون ليملأوا أفواه رجال المرور وغيرهم من المبتزين. ..غير أن رياح السياسيين لم تأتِ بما تشتهيه سفينة إسماعيل أو حتى «صالونه الأبيض» وإنما انتقل الطرفان المتوحدان أو الشريكان في صنع الوحدة, انتقلا من صراعات المناطق الحدودية وبراميل كَرِش والشريجة إلى الصراع أمام البنك المركزي ووزارات الدفاع والخدمة والمدنية.. وغيرها من مواقع التقاسم التي أفضت إلى جفاف السيولة المالية وتضخم المديونية وبروز سيل جارف من أعداد الموظفين المدنيين والعسكريين الذين ضاعفوا كثيراً من حالة الإرهاق الذي تعانيه موازنة وخزانة الدولة. وجاءت المصيبة الثانية حين أطلت علينا أزمة الخليج الثانية وكان لا زال عود الوحدة اليمنية «أخضر» وليس صلباً, فتمخضت مواقف الأقطاب السياسية الحاكمة والمتعددة عن اتخاذ موقف ربما خدم السياسيين وحساباتهم السلطوية , لكنه في المحصلة كان مبرراً للآخرين لجعل «ورقة العمالة اليمنية في الأسواق المجاورة» ساحة لتصفية الحسابات وردود الأفعال التي شكلت عقاباً جماعياً للبسطاء الذين انهارت أوضاعهم المعيشية مع عودة أكثر من مليون مغترب يمني. وإذا ما اعتبرنا أن فتنة 1993 أشد من حرب صيف 1994 فإن الطامة الكبرى قد تمثلت في فشل النظام السياسي المنتصر في إيجاد معالجات لآثار الأزمة والحرب، فكان أن انتقل الشعور بالهزيمة من علي سالم البيض ورفاقه في الحرب, الى جماهير شعبنا في المحافظات الجنوبية والشرقية الذين بدأت يوماً بعد يوم وعاماً بعد آخر تشتد مرارة معاناتهم وإحساسهم بالغبن تحت وطأة وجور النافذين والانتهازيين الذين مارسوا على أرض الواقع أفعالاً استفزازية لا تمت لروح الوحدة والمواطنة المتساوية بصلة. والحقيقة أن إخوتنا في المحافظات الجنوبية عبروا عن شعور وفعل وحدوي أكثر منا وقدموا تنازلات لصالح الوحدة لا ينكرها إلا جاحد , ومن يربط بينهم وبين الشعارات الانفصالية التي ترفعها تيارات منادية بفك الارتباط , عليه أن يتذكر أن سنوات طويلة سبقت ذلك كانوا يطرحون أمام الحاكم مشكلات يبحثون فقط عن حلول لها , وكثير منا يتذكر ما طرحه القيادي الاشتراكي البارز محمد حيدرة مسدوس عندما طالب بـ« إصلاح مسار الوحدة» فاعتبره البعض انفصالياً وكالوا له سيلاً من الشتائم والاتهامات, ولو أنهم استمعوا له وتعاملوا مع حقيقة أنه كان بطرحه يمثل «صوت العقل» لكانت أي معالجات في حينه لن تحافظ فقط على الوحدة اليمنية مما أصابها لاحقاً وإنما كانت خدمت النظام السياسي بشكل كبير. واليوم نتطلع أن ينطبق علينا المثل القائل «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي» ونهيئ الظروف لمؤتمر حوار وطني فاعل وبناء يعيد صياغة يمن جديد وموحد بشكل يتفق عليه الجميع وبما يفضي إلى بناء دولة مدنية تقوم على المؤسسات وعلى القانون الذي حلم به «إسماعيل» قبل أيام من إعلان الوحدة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي