د. أبو فداء | نخب اليمن تهان في عقر دارها

كتب
السبت ، ٢٨ مايو ٢٠١٦ الساعة ٠٣:٢٦ مساءً

"إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " صدقت يارسول الله ،اليوم فقط شعرت أن معظم سنوات عمري راحت هدرا ــ إذا كان قدري أن أظل حبيس هيمنة طائفة من مخلفات البشرية حازت على أولوية الهمجية والرعونة والغوغائية والتخلف بلا منافس ولا منازع ،وأن أظل رهينة قراراتهم غير المدروسة وعنجهية تنفيذها والتي تخالف كل الأعراف والدساتير والقوانين في الكون كله ــ خاصة التي قضيتها متعلما ومعلما منذ أن كان عمري خمس سنوات وأنا أقطع تقريبا لمدة سبع سنوات ما يقارب أربع كيلوا ذهابا وإيابا إثنين منها صباحا شتاء وصيفا أقطع طرق وعرة وأصعد جبلا شاهقا حتى أصل قبل طابور الصباح إلى المدرسة وحتى لا أعاقب كبقية المتأخرين عن طابور الصباح...وأعود عبر تلك الطريق للمنزل ظهرا في تلك الشمس الحارقة .

 

وبعد هذه المرحلة بدأت برحلة الغربة عن مهبط رأسي قريتي الحبيبة ومفارقة أمي وأبي وإخوتي ورفقتي وكانت مسافتها طويلة جدا وقاسية خاصة لطفل لم يبلغ الحلم بعد درست في مدينة زبيد صف ثامن وبعدها غادرت إلى مدينة الحديدة لأستكمل بقية المرحلة الأساسية والثانوية وبعدها يممت وجه رحلتي صوب أحد الجامعات العربية لاستكمل رحلة العلم والمعرفة للمرحلة الجامعية والماجستير والدكتوراه في تخصص كنت أحلم به منذ أن كنت في ثالث إبتدائي وأنا أشارك في إذاعة الصباح عبر مكرفونها الذي أسمع صدى كلماتي ترددها الجبال من حولي فأزداد نشوة وترقبا لهذا اليوم الجميل عند ما أصبح في الغد إعلاميا لامعا...ونمت معي الرغبة وصقلتها من خلال مشاركاتي ببعض الكتابات في بعض الصحف في تلك الفترة كالثورة والصحوة والحرية وغيرها....وكذلك لرغبة في نفسي وهو أن أصبح نصيرا للكلمة ومعول هدم على الظلم والظلمة والمفسدين من خلال كتاباتي ومقالاتي أو بعض البرامج الهادفة وتحققت وبحمد الله الأمنية وتخرجت،وبدأت رحلة الكفاح للتعيين في جامعة صنعاء والتي استمرت لمدة عامين  وكما أتذكر لم أترك بابا من ذوي الوجاهات سواء من السلك العسكري ام المدني إلا وطرقته سواء كانوا من معارفي أم معارف أقربائي أم معارف أصدقائهم أم معارف أصدقائي،وتم تعييني وبحمد الله في عام 2005م في عهد الدكتور الفاضل باصرة...

 

وبدأت رحلة التعليم في تلك الكلية في جو كان مفعما بالمكايدات السياسية ،والمهاترات والسباق على كسب الولاءات وشراء الذمم وتكثير معشر المطبلين والمزمرين لصاحب السطوة من خلال حزب هيئ لخدمة مآرب ومطالب رئيسه الذي هو رئيس البلاد،واستمريت في تأدية رسالتي المقدسة رسالة التعليم ما يقارب أربع سنوات .

 

ثم جاءت لي فرصة للتفرغ العلمي خارج الوطن في إحدى جامعات دولة عربية واستمريت فيها مدرسا عدة سنوات ،وبعدها عدت إلى جامعتي وكليتي الحبيبة لأستكمل مشوار التعليم في وسط طلابي وأنعم معهم بالاستقرار ومصارعة الجهل وأهله فلم أهنا بذلك منذ أن وطأت قدمي أرض صنعاء إلا ونحن كل يوم وسط مشاحنات ومناكفات وصراعات طحنت الناس وجعلتهم سكارى وماهم بسكارى ولكن لهب تلك المشاكل لفحهم فغير حياتهم وأبدلهم بدل الاستقرار خوفا وألما ونزوحا داخليا وخارجيا وجعل الكل يفر بدون تعقيب ...

 

ففساد الكرة الأرضية قاطبة في تلك المرحلة أستأثرت به اليمن ،فطرقه المتلونة وحباله الممتدة وحيله الملتوية لن يحصيها أمهر العدادين ،ولن يصفها أمهر الكتاب وأهل الأدب والفصاحة والبلاغيين ،ولن يحللها ويفسرها ويناقشها عتاولة الباحثين .

 

وبحمد الله نتيجة ذلك الفساد الممنهج ،حصدت اليمن أرقاما قياسية وفي زمن قياسي أيضا،فهي الأولى بلا منازع في كل الموسوعات والإحصائيات والتوقعات .

 

ففي الفقر هي اكثرهم فقرا،وفي الفساد أشدهم فسادا ،وفي الوفيات الأوفر حضا بتحقيقها الأرقام العليا في ذلك، وفي الجهل على قائمة الدول ،وفي معدل النمو في ذيل دول العالم،وفي التعليم الأكثر فسادا وجهلا،وفي البنية التحتية أقلهم حضا في ذلك،وفي إستشراء المرض والجهل والتخلف والقتل والدمار والاغتيالات والقتل والتدمير والنزوح والتسول وسوء التغذية والوفيات والانتحارات والاكتئاب والإصابة بالجنون والحالاات النفسية الأولى وبحمد الله بلا منافس فأينما يممت بعينك وسمعك وبصرك ووجهك ستجد اليمن في كل المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمعرفية والتقنية في كل المحافل والقواميس والموسوعات والتقارير والإحصاءات هي الأوفر حضا بحصولها على مرتبة اقل الدول في ذلك حتى من التي تعاني من عدم الاستقرار نتيجة لحروب أو انقلابات أو صراعات سياسية على السلطة أو تعرضت لكارثة كونية كجفاف او فيضانات...

 

هذا بعد أن كنا يوم كنا "بلدة طيبة ورب غفور" أهل شورى ونمللك الإرادة ونتمتع بمن يديرون البلاد بحكمة وروية "ماكنت قاطعة أمر حتى تشهدون" فكانت بحق أرض السعيدة...

 

فلما كفرت بانعم الله وبدلت ؛تبدلت النعم والسؤدد إلى فرقة ،وفقر وتمزق وفساد ،حتى تٌوج هذا الفساد بقرار أصدره من لايملك لمن لايستحق نائب وزير بتعيين وزير بدرجة نائب رئيس الوزراء،وكذلك تعيين نواب لها ،وتعيين عمداء في كليات تلك الجامعة التي خيم عليها الحزن منذ أن وطأ هؤلاء الجهلاء وصاروا يعربذون فيها فأبدلوا أمنها خوفا واستقرارها فوضى ووضعوا في المكان المناسب الرجل الفاسد وغير المناسب ولا تتوفر فيه إلا صفة الموالاة لهم وتنفيذ كل متطلباتهم...

 

فهل قد رأت الدنيا لما حل بجامعتنا مثيلا من بقايا الكهوف،وطفيليات الجهل وأرباب الطائفية ودعاة السلالية وقادة العصبية.

 

فلم يروق  لهؤلاء أن يكون في هذا البلد أناس هم سادتهم بحكم العلم الذي يحملوه في صدورهم والمعارف التي في عقولهم والشهايد العليا التي نالوها بهمتهم ومثابرتهم وكفاحهم وصبرهم ومعاناتهم مدى سنوات طويلة من أعمارهم، قضوها في المعامل وبين المكتبات وفي سطور الكتب والموسوعات ،حتى شرفوا بتلك الشهادات والألقاب العلمية ،فملأوا الدنيا علما ومعرفة وأناروا الدنيا باستنتاجاتهم ومعارفهم وأبحاثهم وأفكارهم.

 

فابى أولئلك أشباه الحيوانات المفترسة وفي حين غفلة من الزمن وفي ظرف المجتمع كله يئن من تسلطهم على قوته ورقابه وأمنه ودياره وأبنائه بالتفجير والتهجير والسحل والخطف والسجن والإخفاء القسري والقتل،إلا ان يتوجوا كل تلك الأعمال الهمجية الحيوانية الغوغائية بأن يجعلوا نخب المجتمع بدون تفريق بين صغير ولا كبير بين إداري ولا معيد ولا مدرس ولا أستاذ مساد أو مشارك أو أستاذ دكتور بين صحيح أو مريض بين شاب أو كبير بالسن يطوبروا جميعا أمام لجنة مكونة من أربعة أشخاص لست كليات بطرق مستفزة في الوقت الذي وصل العالم من حولنا إلى القمر والمريخ وأصبحت بلادهم تدار بما يسمى بالحكومة الذكية .

 

نخب اليمن ياعالم في ظل السلاليين من يدعون نسبهم بمن بعث رحمة للعالمين معلم البشرية مكارم الأخلاق والتميز ونفع البشرية هؤلاء يتفننون بردنا لعصر أبينا آدم يتفننون بكيفية إذلال الناس حتى يروضونهم لكي يطأطئوا لتقبيل الأيادي والركب ليشبعوا رغبتهم السادية في قمع كل من حولهم بحكم صلتهم بالنبي الخاتم ص.ع.م.الذي هو براء مما يصنعون.

 

فبدلا من تكريم تلك النخب لصمودهم في تلك الظروف القاسية التي أكلت الأخضر واليابس في ظل انعدام الغاز وكل المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء بل وانعدامها لمدة عامين وهم يقومون بتدريس الأجيال في كل الكليات علمية ونظرية وبجهود ذاتية وإمكانيات متواضعة بدون مكافئات أو حوافز ،تجازى تلك النخب بتلك الأفعال وتكافئ بالوقوف لساعات طويلة ولمدة أيام لاستلام رواتبها .

 

كل ذلك تم بحجة هي أوهى من خيط العنكبوت وهي محاربة الفساد،ووالله لم ولن تعرف اليمن ولا الدنيا بأكملها فسادا كفسادهم لافي الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل.

 

ولا يسعنا في مثل هذه الظروف وأما تلك التصرفات إلا أن نرفع شكوانا إلى الله فهو حسيبنا ونعم الوكيل...فاللهم انقطع الرجاء إلا منك،وخابت الآمال إلا فيك،وسدت الطرق إلا إليك....

الحجر الصحفي في زمن الحوثي