تحديات في مهزلة كبيرة

كتب
الاربعاء ، ١٦ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٢٦ مساءً
جمال حسن منذ صعود عبدربه منصور، رئيساً جديداً لليمن، والجميع يتحدث عن أهم تحدياته. أحد زملائي سألني عن أهم تحديات الرئيس الجديد، وأنا عكس الكلام، أتردد كثيراً في الكتابة، هناك جيش من التحديات سيترتب عليها صعوبة في انتقاء الأولويات. ويبدو أن الرئيس يفكر بعدد منها، تلك التي تعلق بمنع انهيار الدولة. مع هذا نعرف أن هناك كثيراً من القضايا ملحة. قضايا تتعلق؛ بالأمن، الاقتصاد، الجيش، وغيرها .. لكن كيف يمكن للرئيس الجديد منع انهيار الدولة؟. وتبدو خطواته بصورة ما، معقولة في الوقت الراهن، هناك محاولة لاستعادة أبين من سيطرة القاعدة، ونجاحه في ذلك، سيكون خطوة كبيرة لاستعادة الدولة التي لم نعرف ملامح واضحة لها كيمنيين منذ عرفنا انفسنا. إننا باختصار بلد يسهل فيه التوقع للوهلة الأولى، يوهمنا أن كل شيء فيه متوقع، لكن لا شيء يحدث مما نتوقعه.. سواء توقعنا حرباً، أم لا، كل الرهانات تسقط، لا يحدث شيء مما نتوقعه. نبقى أبداً في بساط التوقعات السحرية. لا مجال للون الأبيض أو الأسود. يمكن تسمية بلدنا بالأرض الرمادية. لذا عندما سأراهن على أمر هنا، سأبحث في المنطقة الرمادية؛ وهذا لا يعني عدم الوضوح، بقدر تلك المنطقة المفتوحة على القراءات اللامتناهية، هل هي الأرض المثالية للفن..ربما.. عندما فكرت حينها عن أكبر تحدٍ سيواجهه الرئيس، وربما سنواجهه بصورة ما، كنت أقرأ المرحلة كنتاج لثورة، تُحتم علينا خطاباً حماسياً، وهذا بحاجة لحساسية ذكية، بكل شوائب عالقة، تحاول التعلق كقشور داخل الحدث الكبير. فهناك طابور طويل من الانتهازيين، والقتلة.. طابور من اللصوص وعديمي الذوق المتبجحين بادعاء يحاول تملك الثورة. علينا الانتباه لهؤلاء. عندما فكرت حينها قررت أن أكبر تحدٍ، ربما هو عنوان غير مرئي أمام عدد من الأولويات الواضحة. كيف سيواجه الرئيس الحالي، عملية ابتزاز هائلة باسم الثورة؟. بلد بأكمله مقحم في تلك اللعبة النرجسية لأفواه صاخبة ممتلئة بالادعاء والرذاذ. مع هذا أتساءل إن كانت اليمن كلفظة هائلة مجرد ساحة صراع بين طرفين؛ علي صالح، أو علي محسن. بين أولاد وأولاد. هذا الابتزاز فقط لا يمارسه طرف انخرط مع الثورة، بل أيضاً طرف طالب الناس برحيله. ووسط هذه الغوغاء تختلط عدد من الأوراق. هناك ثنائية مريعة تلعب بأقدارنا. هل يجب أن نكون مصاغين تحت راية رجعية بامتياز، تتمترس هنا وهناك، كطرفي نزاع، يمنح نفسه اسم الثورة، أو السلطة. هل يمكنني القول أن الرئيس هو المنطقة الرمادية التي لم يتوقعها أحد، وسط ثنائية، تشبه أسطورة أغريقية عن خلق الانسان ككيان متوحد الجنسين، قبل أن تشقه الآلهة نصفين، لكن بمباغتة ان الاسطورة عنوانها الحب، وليس هوساً مريعاً عنوانه السيطرة. حتى الآن ينجح عبد ربه في مواجهة هذا الابتزاز. يحتاج عبد ربه في المرحلة القادمة، أيضاً لإطار سياسي، يستطيع الاتكاء عليه. وسيكون عليه أيضاً إخراج المؤتمر الشعبي العام، كإطار سياسي من اصطفاف تحالف صالح. هناك عدد من العوائق لا يمكن لنا أن ننظر للاطراف المتنازعة، والتي بدت كقوى لها واجهات محددة، علي صالح، علي محسن، أولاد صالح، وأولاد الأحمر. هؤلاء خلال ثلاثة عقود، اتسع نفوذهم، وامتلكوا أموالاً هائلة، ويستطيعون تشكيل عقبة كبيرة في أي وقت ضد بناء الدولة. وهم رغم تنافرهم وتنازعهم إلا أن وجود مشروع دولة يمنية حقيقية يتعارض مع مصالحهم. هناك اتفاق بصورة ما، أطراف عنى لها، بقاء النظام في وجودهم على رأس السلطة، بينما طرف آخر، راهن على سقوط العائلة، لكن استمرار منهج اللادولة والسيطرة الفردية، أو لنقل سيطرة تحالف محدد يرث عائلة بمصالحها ونفوذها. لكن عبد ربه منصور سيكون وجوده رهاناً على الدولة. وعلى المؤتمر الشعبي العام، ليستمر كإطار سياسي في المستقبل، أن يتخلص من عبء النظام السابق ويستعيد ملامحه السياسية القادرة على البقاء في المستقبل تحت قيادة عبد ربه منصور. إنه خيار برجماتي خلال المرحلة القادمة، وإذا فكرنا في حمولته الكبيرة، فإن انهيار المؤتمر سيستدعي تساؤل أي شكل سياسي سيستقطب هذا الانفلات الكبير. بالتأكيد ستستقطبهم مشاريع سياسية غير واضحة، مثلاً تحالفات مع الحوثي، مع الحراك. وبالتأكيد تحالفات لمنع بناء الدولة اليمنية الحقيقية. ملاحظة: لفت نظري خبر في صفحة أخيرة لصحيفة تضع نفسها في صف اليسار. تتحدث عن انضمام علي الآنسي مدير مكتب رئيس الجمهورية السابق للشرعية الجديدة. المضحك أن عهد الانضمامات قد ولى. وجاء هذا البيان المدعي للسخرية، ليثير تساؤلاً قديماً، كيف استطاع رجل مثل الآنسي، ظل طيلة 33 عاماً، مرتبطاً بجهاز الدولة وفساده أن ينجو من أي نقد؟. هل تحميه تحالفات سياسية، كان يتواطأ مع بعض مصالحها، عبر وجوده في رأس القرار السياسي؟. هل يريدون القول لنا، أنه انضمام جديد للثورة، ونصر لها؟. في الواقع من المضحك جداً محاولة تلميع صورة رجل كان أحد البقع السوداء في النظام السابق خلال فترة طويلة. والرجل يُعرف بانحيازاته لمنطقة لا تتعدى حارة من صنعاء القديمة. هل يمكن لأحدنا الابتهاج لهذا الانضمام؟. مع هذا الأمر ليس مسرحية لموليير، بل مهزلة حقيقية.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي