قانون العدالة الانتقالية ... إحراق الفكرة لمصلحة من؟!!

كتب
الأحد ، ١٣ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٣٤ مساءً
د. عبدالرشيد عبدالحافظ يبدو أن حكومة الوفاق تتجه نحو إقرار مشروع قانون العدالة الانتقالية واستكمال إجراءات إصداره. والواقع أن هناك الكثير من علامات الاستفهام التي تثور حول مغزى الاستعجال في صدور هذا القانون رغم وجود معارضة قوية لهذا المشروع من قبل الكثير من القانونيين والسياسيين، ورغم أن صدور القانون في هذا الوقت يخالف الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية كما سنرى. وسنحاول في هذه المقالة، ومن خلال وجهة نظر قانونية، التركيز على أهم الملاحظات على مشروع القانون: 1ـ لا بد من التأكيد أولاً على أن هناك ضرورة لتطبيق العدالة الانتقالية لمواجهة حالات انتهاك حقوق الإنسان التي حدثت في البلاد في الماضي؛ على نحو يؤدي إلى كشف حقيقة هذه الانتهاكات، وتعويض الضحايا وجبر الضرر الواقع عليهم، وتكريس مبدأ المساءلة، لضمان عدم تكرار مثل تلك الانتهاكات في المستقبل، وذلك كله في إطار السعي لترسيخ قواعد السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية، على طريق بناء الدولة الديمقراطية المنشودة على أسس سليمة. 2ـ إن اتخاذ أية إجراءات لتطبيق العدالة الانتقالية في أي دولة لا يمكن أن يتم إلا بعد أن تكون هذه الدولة قد انتقلت من نظام سابق حدثت فيه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إلى نظام ديمقراطي جديد يُراد بناؤه على أسس صحيحة. وهذا شرط موضوعي أوّلي للبدء في اتخاذ أية إجراءات لتطبيق العدالة الانتقالية. ذلك أن تطبيق العدالة الانتقالية يفترض أولاً أن الجهاز القضائي في المرحلة الماضية التي حدثت فيها انتهاكات حقوق الإنسان لم يكن قادراً على تحقيق العدالة في تلك المرحلة الاستبدادية المتسمة بغياب سلطة القانون، وتأتي العدالة الانتقالية لمواجهة القصور والخلل الذي أصاب العدالة، وإن بأثر رجعي، أما إذا كان النظام السابق وأجهزته لا تزال قائمة بأي صورة من الصور، ولم يتم الانتقال الكامل إلى نظام ديمقراطي جديد، فلا معنى للحديث عن عدالة انتقالية هنا. وفي ظروف بلادنا الراهنة لا يمكن القول إن هذا الشرط الموضوعي متوفر الآن، ولم يحن الوقت بعد للبدء في تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية. ولن يكون هذا ممكنا إلا بعد انتهاء الفترة الانتقالية، وبعد إجراء الانتخابات والبدء بتأسيس النظام الديمقراطي المنشود. 3ـ إن البدء في اتخاذ إجراءات لتطبيق العدالة الانتقالية من خلال عرض مشروع القانون على مجلس الوزراء أو على مجلس النواب وإصداره يعد مخالفة للبند (21) فقرة (ح) من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي تنص على أن مؤتمر الحوار الوطني يبحث فيما يلي: .... (ح): ((اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً)). فمن مهام مؤتمر الحوار الوطني وفق هذا النص مناقشة فكرة العدالة الانتقالية ذاتها وتحديد الهدف العام من تطبيقها، وعلى ضوء ذلك تبدأ إجراءات تطبيق الفكرة في مرحلة لاحقة. ومن ثم فإن اتخاذ أية إجراءات لتطبيق فكرة العدالة الانتقالية، نحو عرض مشروع القانون على مجلس الوزراء أو مجلس النواب، قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، يمثل مصادرة لحق المؤتمر في مناقشة هذه الفكرة ابتداءً وتحديد اتجاهات تطبيقها. 4ـ إن السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يدور في الأذهان قبل الشروع في صياغة قانون العدالة الانتقالية: ما هي الأهداف التي يُراد تحقيقها من تطبيق العدالة الانتقالية في بلادنا وفقاً للظروف الموضوعية القائمة؟. وعلى ضوء الإجابة على هذا السؤال، أي على ضوء الأهداف التي سيتم تحديدها في إطار أهداف العدالة الانتقالية المطلوبة التي أشرنا إلى محدداتها العامة في البند (1) من هذه الملاحظات؛ ستتم صياغة القانون. وبالنظر إلى ما ورد في مشروع القانون في المادة (3) التي تحدد أهداف القانون؛ فإن هذه الأهداف تبدو غامضة ومضطربة وناقصة، ولا تفي بمتطلبات العدالة الانتقالية المنشودة، بل هي بعيده عنها. حيث ورد أن أول أهداف القانون ((التأكيد على قيام الانتقال السياسي في اليمن على مبادئ وقيم التسامح والصفح والمصالحة الوطنية ونبذ كل أشكال العنف والانتقام والملاحقة)). وهذا هدف نظري سياسي ليس هو الهدف الجوهري من تطبيق العدالة الانتقالية؛ وفق ما أشرنا إليه في البند (1) من هذه المقالة. ثم إن هذا التوصيف الوارد لطبيعة الانتقال السياسي في البلاد وظروف هذا الانتقال هو توصيف غير دقيق. فالعملية السياسية لم تأت إلا تحت ضغط ثورة شعبية شاملة امتدت من أقصى البلاد إلى أقصاها، سقط فيها مئات الشهداء ودفع الشعب والبلاد وما زالت تدفع ثمناً باهظاً لها. والملاحظة نفسها تنطبق على الهدف الثاني من أهداف القانون الوارد في المادة (3) من المشروع الذي هو ((اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تطبيق العدالة الانتقالية بما يضمن إلقاء الضوء على تصرفات الأطراف السياسية خلال الفترة المشمولة بأحكام هذا القانون ...)). فليس من المعقول أن يكون الهدف الرئيسي للقانون هو إلقاء الضوء عل تصرفات الأطراف السياسية، بل يفترض أن يكون الهدف الأول والأساسي هو كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الماضي ومعالجة آثارها، كما أشرنا سابقاً. ومما يؤكد المعنى الذي نشير إليه ـ أي غموض واضطراب الأهداف التي يُراد تحقيقها من خلال هذا القانون ـ ما ورد في ديباجة القانون كمنطلق أو كمبرر لإصدار القانون، حيث جاء في الديباجة ((ونظراً للحاجة الماسة إلى وضع نهاية لأسباب الانقسام والصراع بين أفراد المجتمع اليمني)) !! وهو توصيف غير صحيح للواقع، فأين هذا الانقسام المزعوم، وليس هذا هو السبب الذي يدعونا إلى البحث عن العدالة الانتقالية، السبب هو أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان حدثت ونريد الكشف عنها ومساءلة الفاعلين لها أفراداً وأجهزة. وعندما يأتي التوصيف خاطئاً فمن الطبيعي بعد ذلك أن تأتي المعالجة وتحديد الأهداف على ذلك النحو من الاضطراب. 5ـ إن تحديد فترة سريان القانون على النحو الوارد في مشروع القانون، والاضطراب في هذا التحديد بين عام 1994، وعام 1990، وما قبل 1990؛ يثير تساؤلاً كبيراً حول جدوى اقتصار العدالة الانتقالية والمصالحة على أحداث معينة دون غيرها في سياق تاريخ متصل للدولة اليمنية المعاصرة، منذ سبتمبر 1962 ـ نوفمبر 1967. ونرى أن التحديد الزمني لسريان القانون مرتبط بالهدف العام الذي يراد تحقيقه من فكرة العدالة الانتقالية، وذلك بحاجة إلى حوارات واسعة وعميقة قبل تحديد الفترة الزمنية لسريان القانون. وفي رأينا أن المنطق يقودنا للقول إن العدالة الانتقالية ينبغي أن تشمل الفترة منذ بداية تكوين الدولة اليمنية المعاصرة في سبتمبر 1962 ونوفمبر 1967 وحتى الآن. 6ـ نأتي إلى أهم مظاهر الخلل في القانون، وهو غياب مبدأ المساءلة فيه، فلا يوجد في هذا القانون أية إشارة لإمكانية مساءلة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بأي صورة من الصور، وفي غياب هذا المبدأ يصبح الحديث عن عدالة انتقالية بلا معنى. ولا يُحتج هنا بالقول إن أمر المساءلة أصبح غير ممكن في ظل قانون الحصانة؛ لأن السؤال سيكون: لماذا إذاً الحديث عن عدالة انتقالية؟. فإما أن توجد عدالة انتقالية أو لا توجد. وهذا سيكون سبباً إضافياً لعدم ملاءمة الظروف الحالية لتطبيق إجراءات العدالة الانتقالية. وبناءً على ذلك، أي على عدم وجود مبدأ المساءلة في المشروع لا يمكن القول إن هذا القانون هو قانون للعدالة الانتقالية. 7ـ هناك نقص واضح في النصوص لكثير من المسائل التي يجب تنظيمها في القانون، والمثال على ذلك عدم وضوح فهم مشروع القانون لمسألة الحصانة، فهل من الممكن أن يستفيد من الحصانة من استمر في ممارسة أي وظيفة عامة أو نشاط حزبي أو سياسي بعد صدور قانون الحصانة؟. هذه بعض الملاحظات العامة والرئيسية على مشروع قانون العدالة الانتقالية، وإلى جانب هذه الملاحظات العامة هناك ملاحظات تفصيلية أخرى على أغلب مواد القانون سواء من الناحية الشكلية أم الموضوعية. وننتهي إلى أن إقرار هذا المشروع في هذه اللحظة وبالصيغة التي طُرح بها لن يكون له من غرض سوى إحراق فكرة العدالة الانتقالية، وإفراغها من مضمونها، وليس أكثر من ذلك ولا أقل أيضاً. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أسلوب إعداد هذا المشروع والطريقة التي تم التعامل بها معه، تدل على وجود قصور كبير لدى قوى الثورة في فهم طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، والأخطر من ذلك أنها تدل على وجود خلل كبير في منظومة تحكُّم قوى الثورة في إدارة شئون هذه المرحلة، فهل هناك من يتدارك ذلك؟؟.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي