الجنوب والجنوبيون يقولون لكم: نريد اعتذارا!!

كتب
الثلاثاء ، ٠٨ مايو ٢٠١٢ الساعة ١١:١٥ مساءً
  نداء لقادة الحراك في الداخل والخارج.. الجنوب والجنوبيون يقولون لكم: نريد اعتذارا!! ناصر يحيي (1) لم أعد أتذكر أين قرأت هذا المعنى؛ أن الشرقيين – ومنهم العرب في المقدمة- يتعاملون في قضايا العاطفة بالعقل وفي قضايا العقل بالعاطفة؛ ففي قضية الزواج – وهي عاطفية في المقام- يتحول الأمر إلى كم تملك وكم تدفع؟ وفي قضايا السياسة تغلب العواطف العقول، ويتحول الزعماء إلى أصنام. والمواقف السياسية إلى مقدسات! وقد قيل إن المصريين الذين أحبوا زعيمهم (سعد زغلول) حتى العبادة وكرهوا خصمه في السياسة (عدلي يكن) بعد أن افترقت طريقتاهما في التعاطي مع المباحثات حول جلاء الاستعمار البريطاني عن مصر؛ ويومها رددوا شعارا ديماجوجيا يقول: (الاحتلال على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلي)! (2) قبل أسبوعين؛ كان نائب السفير الألماني في عدن للالتقاء مع ممثلين عن القوى السياسية ومن بينها الحراكيون؛ ومما قاله الرجل بصراحة وشجاعة يعجز عنها كثيرون ممن تجري في عروقهم دماء يمنية قحطانية: إن الوضع في الجنوب ليس احتلالا! فيما يبدو أنه رد على الذين يروجون لفرية احتلال الشمال للجنوب بعد حرب 1994م! وبصراحة ما قاله نائب السفير الألماني لا يستحق أن يوصف بالشجاعة أو الصراحة لولا أننا ابتلينا بالآفة الشرقية البغيضة التي تجعل ممارسة السياسة نوعا من الجدال المقيت، والعناد الغبي.. وعنزة ولو طارت! وبصراحة أكثر؛ فإن من المخجل أن يكون دبلوماسي ألماني هو الذي يتصدى لنفي فرية احتلال الشمال للجنوب بينما كثيرون من الساسة والمثقفين والعلماء ورجال الفكر والإعلام يسمعون منذ 2007 – على الأقل- مجموعة من الأوصاف والتعبيرات العوجاء عما حدث في وطنهم منذ قيام الوحدة حتى الآن ثم يفضلون أن يتعاموا ويسدوا آذانهم عنها رغم خطورة ذلك في موازين العقل والشرع والوطنية؛ التي تأبى معاييرها أن يصمت المرء فضلا عن أن يبرر هذا الكم من الافتراءات والأكاذيب؛ لمجرد أن البعض لا يريد أن يقر بأخطائه السياسية وخطاياه في حق الوطن والمواطنين، ووجد في عاصفة الدعوة إلى الانفصال وفك الارتباط والفيدرالية؛ أبو شطرين لمدة خمسة أعوام يليها استفتاء لتقرير مصير الجنوب؛ فرصة ليقنع نفسه أنه لم يخطئ، وأن ضياع امتيازاته وسلطانه كان مؤامرة! عناد ومكابرة لا أسوأ منها إلا أن بعض المتصفين بها هم من أكثر الناس اتهاما لرموز النظام السابق بأنهم يعاندون ويكابرون، ويزيفون الحقائق للبقاء في السلطة! (3) كيف يستقيم عقلا أن يحتل جزء من الشعب جزءا آخر منه؟ وما هي مواصفات الاحتلال التي توفرت في اليمن بعد 1994 حتى يقال إن الشمال يحتل الجنوب؟ وكيف يستقيم أن يكون الجنوب محتلا ورئيس الجمهورية جنوبي.. وهو كان نائبا للرئيس منذ 1994.. وقبلها كان أحد القادة العسكريين الذين قادوا الحرب ضد الانفصال وأبقوا اليمن واحدا موحدا؟ الفساد والنهب والتهميش والإقصاء والظلم؟ لا تكاد دولة عربية تخلو من هذه الآفات.. ومع ذلك فكم بلدا عربيا يتداعى جزء من شعبه للمطالبة بالانفصال بالصورة التي تحدث في اليمن؟ ولماذا نذهب بعيدا؟ هذا تاريخ اليمن منذ 1962 و1967 حتى الآن.. كم حدث فيه من فساد، ونهب لممتلكات الدولة و(المواطنين)، وتهميش وإقصاء واستقواء على الآخرين فضلا عن القتل والسجن غير القانوني والتشريد؟ كثير بما لا يمكن حسابه؛ وهو تم بشعارات وطنية براقة تبيح لنفسها ما لا تجيزه للآخرين.. فهل كان ذلك مبررا للدعوة للانفصال وإثارة الأحقاد والعداوات بين أبناء الشعب الواحد لمجرد أن البعض تجرع السم الذي كان أعده لبني وطنه؟ هذا التباكي على الجنوب المقصي والجنوبيين المهمشين يفرض سؤالا كبيرا: أين كان موقع الجنوبيين في الترتيبات السياسية التي تمت منذ الاستقلال وحتى عشية قيام الوحدة؟ هل شارك كل الجنوبيين فيها.. واقتسموا الغنائم والمناصب والميزات والأراضي والبيوت التي منحت للمسؤولين أم أن القسمة كانت حزبية محضة واستبعد الجنوب: جغرافيا وتاريخا وخاصة بعد الوحدة؟ حتى الحرب الأهلية عام 1994؛ بين قوى سياسية ضمت كل منها شماليين وجنوبيين؛ لا تهدأ نفوس البعض إلا إذا وصفها بأنها حرب ضد الجنوب والجنوبيين الذين اعتبروا كفارا؟ ألا ينتبه هؤلاء إلى أن هذا الوصف يكرس عداوة تاريخية وأحقادا في قلوب العامة؟ وهو عداء أول من سيدفع ثمنه هم هؤلاء الإخوة الشماليون الذين (يبترعون) على أنغام الانفصال وفك الارتباط والفيدرالية أم شطرين.. أم يظنون أن عليهم حجابا، وأن الناس في الجنوب سوف يستثنوهم من الحقد والعداوة وتحميلهم مسؤولية ما يزعمون أنه حدث لهم؟ ألا يعلمون حجم عمليات الشحن المناطقي التي تتم ضدهم وتهدد بأن يلاقوا بعد الانفصال ما لاقته الأقليات تحت حكم هتلر عندما صودرت أموالهم وممتلكاتهم وطوردوا في الشوارع، وأجبروا على تحمل تكاليف عمليات قمعهم؟ ألم يكن هناك في صفوف ما عرف بالقوات الشرعية الدستورية الرافضة للانفصال جنوبيون مقاتلون بالآلاف.. ومدنيون أكثر منهم رفضوا الانفصال مهما كانت المبررات؟ هل كان يمكن لمشروع الانفصال نسخة 1994 أن يفشل بتلك السهولة لو كان (الجنوبيون) يؤيدونه ويدعمونه؛ اقتناعا بالمبررات التي ساقها القادة آنذاك من أنهم غاضبون من أجل الجنوب والجنوبيين؟ أين كانت المقاومة للاحتلال خلال سنوات ما بعد الحرب وحتى 2007 على الأقل؟ هل يعقل أن اليمنيين (الجنوبيين) عام 1839 الغارقين في التخلف والفقر يتسابقون لمقاتلة القوات البريطانية التي احتلت (عدن) مرات عديدة.. ولا يهزمهم إلا القلة والتخلف العام مقارنة بالعدو المتفوق: عدة وعددا.. بينما في عام 1994 يحتل (الشمال) (الجنوب) وتستقر أوضاعه دون مقاومة و(المنهزمون) كانوا يملكون من الأسلحة الحديثة والخبرة القتالية والدعم الإقليمي الكثير والكثير الذي لم يكن يملك ذرة منه الجنوبيون الذين قاوموا الاحتلال البريطاني.. بل حتى سلطة الإمام في صنعاء (دعممت) عن الاحتلال ولم يهتز لها رمش! وفي عام 1994 كان معظم العرب يحشدون جهودهم المالية والسياسية والإعلامية لدعم الانفصال في المحافل الإقليمية والعربية والدولية؟ (4) الحديث باسم الجنوب والجنوبيين أحد المآسي الجديدة التي يرتكبها الذين ارتكبوا المآسي السابقة.. وهم في تكرارهم لأخطائهم لا يريدون أن يتعلموا حتى فضيلة الاعتراف بالخطأ والاعتذار لضحاياهم! تخيلوا أن يطالب (عبدربه هادي) (محمد باسندوة) بالاعتذار للجنوبيين وهما أنفسهما جنوبيان بحاجة – وفق الدعوة الرائجة- للحصول على اعتذار من هؤلاء الذين يطالبون الدولة والحكومة بالاعتذار للجنوب والجنوبيين؟ من يعتذر للوالد/ محمد باسندوة.. وحتى عبدالله الأصنج.. وآل الجفري والحبشي والمكاوي.. وحتى باجمال والبطاني والبار وغانم – بصرف النظر عن موقعهم السياسي- وغيرهم من المتضررين سياسيا وإنسانيا مئات الآلاف من الجنوبيين الذين عانوا منذ 1967 وتشردوا في الأرض بعيدا عن بيوتهم وأهاليهم سنوات طويلة؟ والآن يأتي الذين صنعوا هذه المآسي ليتزعموا المطالبة بضرورة تقديم اعتذار رسمي عما لحق الجنوبيين من مظالم ولكن فقط منذ 1994 أما ما مضى قبلها من مظالم فحكمها التصالح والتسامح.. وحاسب ريح! من يعتذر للجنوبيين المظاليم الذين رحلوا عن الدنيا وهم مشردون في الأرض: حقوقهم منهوبة.. أملاكهم مصادرة باسم التأميم.. وبيوتهم سكنها غيرهم من رجال الفيد الحداثي تحت أي مبرر؟ هل نحدثكم عن الذين شابت شعورهم وهم يرون الغرباء يسكنون في أملاكهم لا يستطيعون لهم شيئا وهم يرونهم يتصرفون بها كما يريدون ويتاجرون بها؟ والآن يأتي الذين صنعوا هذه المآسي ليطالبوا أول ما يطالبون باستعادة منازلهم التي يزعمون أنها ملكهم ومعظمهم حصل عليها بأوامر عليا.. من يعتذر لهؤلاء؟ ومن يعيد لهم أعمارهم التي ضاعت بسبب أخطاء الذين ما يزالون يتسابقون على الصدارة باسم الجنوب والجنوبيين ويعدون أنفسهم للعودة إلى السلطة من جديد؟ حتى التصالح والتسامح كان في الأخير وسيلة القبائل الجنوبية للملمة ثاراتهم فيما بينهم فقط ليتفرغوا للمطالبة بحقوقهم ومنازلهم ووظائفهم وليس للمطالبة بحقوق الجنوبيين كلهم دون تمييز مناطقي وقبلي.. ولم يفكروا أن يتجمعوا في مؤتمر خارجي ثم يصطفون صفا واحدا فيعتذروا للجنوب والجنوبيين عما سببوه لهم من مآس وآلام ما تزال قائمة حتى الآن.. ثم بعد ذلك يرحلوا كما رحل.. علي صالح! (5) لماذا لا تسمى الأمور بمسمياتها: ما حدث عام 1994 كان صراعا سياسيا وعسكريا بين قوى سياسية كثمرة للمؤامرة الثنائية على الوحدة والديمقراطية في 22 مايو 1990، وتم بها تأميم الوحدة والشعب والوطن وتفريغ الديمقراطية من مضامينها؟ لماذا لا يقولون إن الذي انهزم في حرب 1994 ليس الجنوب ولا الجنوبيين ولكن قوة سياسية وعسكرية حزبية لم تستطع أن تعترف بأخطائها ووجدت أن أرخص وسيلة لاستعادة نفوذها هو المتاجرة بالجنوب والجنوبيين واستغلال معاناتهم من الفساد والفشل لركوب الموجة وإلقاء المسؤولية على الوحدة؟ (6) حتى في المطالبة بإعادة الحقوق وإنصاف المظلومين في الجنوب – وهو حق مشروع نوافق عليه- تتعطل آليته عند 1994.. ويتعامى (الظالمون) عن ضحاياهم قبل ذلك! يعيش الواحد من هؤلاء المشار إليهم عيشة الملوك في الخارج ثم هو يقاتل من أجل بيته أو حقوقه.. وينسى حقوق (الجنوبيين) الذين كانوا ضحية له أيام سلطانه؟ ينسى بيوت الجنوبيين وحقوقهم إن كانوا من غير ضحايا 1994.. فهؤلاء الأخيرون فقط هم الجنوبيون من بني آدم أما الذين سبقوهم فليسوا بشرا ولا جنوبيين، ولا يحق لهم أن يطالبوا باعتذار فضلا عن أن يطالبوا بإعادة حقوقهم؟ (7) بقيت أكذوبة تكفير الجنوبيين بفتوى مزعومة استباحت أموالهم وأعراضهم وأرضهم.. وهي ظاهرة ليست غريبة عمن عاش يكذب على شعبه ليلا ونهارا، يرددها من يزعمون أنهم قادة حداثيون وصناع رأي عام ودعاة دولة مدنية لا يخجلون أن يمارسوا الكذب كما يتنفسون الهواء.. وما زلنا نقول: أخرجوا لنا هذه الفتوى التي كفرت الجنوبيين واستباحت الجنوب باعتباره أرض كفار.. أخرجوا لنا هذه الفتوى بهذه المواصفات التي تزعمون، ونحن سنقف معكم ضد الذي أصدرها كائنا من كان حتى يتوب وليس فقط يعتذر عنها.. لأن مثل هذه الفتوى لا ينفع معها مجرد اعتذار تماما كما لا ينفع الجنوب والجنوبيين أن يتصالح ويتسامح القتلة فيما بينهم في مجالس القات ثم يخرجون على الملأ يذرفون دموع التماسيح على الجنوب والجنوبيين! ويا أيها الجنوب: كم باسمك استباحوا كل حرام.. وبدون فتوى.. وما يزالون حتى الآن يحلمون أن يعودوا إلى السلطة دون اعتذار حقيقي! * صحيفة الناس
الحجر الصحفي في زمن الحوثي