دموع باسندوة والحصانة بالعدالة الانتقالية‎

كتب
الخميس ، ٢٦ يناير ٢٠١٢ الساعة ١٢:١٠ صباحاً

بقلم / محمد الخامري

[caption id="attachment_9651" align="alignleft" width="215" caption="محمد الخامري"]محمد الخامري[/caption]

 قبل ان اتحدث عن سعادتي بما تم في البرلمان السبت الماضي، والتعديلات التي ادخلت على قانون الحصانة الذي كان يشكل فزاعة يمارسها البعض ضد علي عبدالله صالح من المنظمات الحقوقية والقوانين الدولية، اريد ان اعرج على الدموع الغالية التي سكبها رئيس حكومة الوفاق الوطني امام اعضاء المجلس، والتي كانت اصدق دموع سكبها رجل ملء السمع والبصر.

 بكى الكثير من الناس لبكاء باسندوة وضحك اخرون لايعرفون ماتعنيه تلك الدموع، ولو عرفوا لبكوا كثيرا، شدتني دموعه الى التفكير فيما سيصير اليه البلد لو لم يتم انجاح الحل السياسي ودخلت اليمن لاسمح الله في حرب اهلية، حينها ايقنت ان دموع الرجل كانت نبيلة وصادقة ورائعة بروعته، ورهافة قلبة، والاروع ايضا تجاوب اعضاء المجلس الذين منحوه الموافقة المطلقة لجميع الاعضاء باستثناء واحد (لااعلم من هو) لكن ربما كان خارج القاعة.

 وعودة الى القانون الذي بموجبه غادر صالح اليمن، وبدأت عجلة العمل السياسي تدور، واستعاد الريال اليمني بعض النقاط امام العملات الصعبة، وتحسنت مؤشرات التفاؤل في بورصة المنتديات اليومية لليمنيين "المقيل"، واعلن عن ترشيح رئيس جديد لليمن بدلا عن الصالح الذي كنا والى عهد قريب لانتصور ان يحكمنا غيره في اليمن بسبب قبضته الحديدية على القوات المسلحة والاجهزة الامنية المختلفة، وإمساكه بخيوط اللعبة الدولية والمحلية، وبراعته في تفصيل الخارطة الديمغرافية والقبلية واللعب على المتناقضات واجادة الرقص على رؤوس الثعابين كما كان يفاخر دائما، لكنها ارادة الشعب التي هي من ارادة الله عز وجل.

القانون الجديد اعطى حصانة كاملة للرئيس فقط عكس ماكان عليه قبل التعديل، حيث كان يعطي حصانة لكل افراد نظامه، لكنها كانت حصانة هشة وغير صحيحة ويمكن نقضها بحكم محكمة قضائية او بجلسة برلمان او بغيرها من الادوات القانونية والدستورية والقضائية، لكن الذي حصل مؤخرا ان الرئيس باعتباره لم يكن في يوم من الايام فاعلا اصليا لشيء محدد فقد اعطيت له هذه الحصانة بالتوافق كمخرج سياسي وانقاذا للبلاد من الدخول في حرب اهلية.

اما من عمل معه من اركان حكمه ونظامه في السلكين المدني والعسكري فانهم سيتم محاسبتهم وفق مبادئ وقوانين العدالة الانتقالية والمصالحة الشاملة التي ستصدر قريبا من البرلمان، والتي من اهم بنودها وقيَمها ان لااحد محصّن ويجب فتح ملفات الجميع لكن الآلية تختلف، اذ لاتفتح الملفات امام المحاكم والقضاء والاجهزة الامنية، لكنها تفتح في اطار المركز الدولي للعدالة الانتقالية واللجان التي سيشكلها للتحقيق والاستقصاء حول كل ملف وكل قضية دون اللجوء الى التشهير او المحاكمات او السجن او الاقصاء او غيرها من الاساليب المخيفة والمستهجنة في قيم واخلاقيات ونهج العدالة الانتقالية..

وتقف العدالة الانتقالية على مسافة واحدة من الجميع.. من الظالم والمظلوم، من الجاني والمجني عليه، من القاتل والمقتول، لاتتحيز لطرف منهما مهما كانت الجرائم بشعة او الانتهاكات مروعة، فهي تعمل وفق هدف محدد وهو المصالحة الشاملة وبناء وضع جديد خال من الاحقاد والعقد السياسية والجنائية، وبالتالي لابد ان تكون صارمة في معالجة تلك القضايا وفق آلياتها المحددة سلفا بالقيَم الاخلاقية التي تكفل العدالة للجميع وفق مبدأ لاضرر ولاضرار.

تقوم بالتحقيق مع افراد النظام المنتهكين للحقوق والمتهمين بالقتل، بل والقتلة ايضا والبلاطجة وكل من ثبت او تم الادعاء عليه بشيء، تقوم بالتحقيق معهم عبر لجان خاصة قد تكون يمنية وقد تكون غير يمنية، الاهم انها تحقيقات شفافة غير مقبول فيها الكذب والتدليس لانهم يريدون ان يخرجوهم الى طريق جديد، ولايريدون ادانتهم وحبسهم او الاقتصاص منهم، وبالتالي فان أي مدان او متهم عندما يعرف انه لن يحبس ولن يُشهّر به ولن يقدم للمحاكمة ولن يُقتل او يُعدم ان كان قاتلا فانه سيكون صادقا ليجد المخرج الصحيح لاسقاط تلك التهم عنه وتغيير حياته والبدء بحياة جديدة..

 بعد ذلك يذهبون الى الجانب الاخر وهم الضحايا، او اولياء الدم، او المنكوبون بسرقة اموالهم او اراضيهم او اي شيء اخر، ويقدمون لهم تفاصيل وافية عن اعترافات الجاني ومبرراته، وهنا تبدأ مرحلة التفاوض بين الطرفين عبر اللجان برد الممتلكات مثلا، او التعويضات ان كان الجاني يستطيع التعويض، واذا لم يستطع هنا تتدخل آليات العدالة الانتقالية، فهناك استعداد لدى المركز وبعض الجهات والمنظمات الدولية، والدول الكبرى لدعم هذا التوجه وتمويل اي تعويضات يتم الرفع بها مقابل المصالحة الشاملة في البلاد، واخراج اليمن الى طريق جديد، بعيدا عن المناكفات والحساسيات والاحقاد والثارات، وبالتالي فان الشهداء سيعوضون بمبالغ كبيرة جدا يتم تمويلها من المجتمع الدولي، وستعاد الحقوق الى اصحابها وفق هذه الالية التي تحمستُ لها كثيرا وناديتُ بها العدد الماضي، واحمدالله ان وافق دعوتي لها تعديلا لقانون الحصانة سيء الذكر، واستبداله بالقانون الجديد فنحن بحاجة الى يمن جديد خال من الانتقام والاحقاد والثارات ولن يكون هذا اليمن الا بالعدالة الانتقالية، ويمكن لمن احب ان يستزيد من معرفة هذه الالية قراءة ماعمله العملاق نيلسون مانديلا‏ في جنوب افريقيا وقضائه على اعتى نظام عنصري عرفته البشرية..‏ هذا الرجل الذي استحق بجدارة أن يسمي عملاق القرنين‏..‏ العشرين والحادي والعشرين‏.‏.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي