الأنظمة لا تسقط بالإعتصامات وحدها!

كتب
الثلاثاء ، ١٧ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٠٠ صباحاً
عبدالباسط الحبيشي أثبتت التطورات الجارية على صعيد ثورات الربيع العربي أن مجرد خروج البعض ولو حتى بالملايين من البشر إلى الساحات والميادين لا يمكن أن تُسقط نظام دام في سدة الحكم عشرات السنين ، وفي المقابل لا يمكن أيضاً إسقاط نفس النظام عن طريق إستخدام القوة أو العمليات الإرهابية دون أن يتم إسقاط الشعب والدولة معه. وإذا ماأستعرضنا كافة نتائج الثورات العربية منذ بداية الربيع العربي سنتأكد من هذه الحقيقة. يتحدث البعض عن عدم وجود تنظيمات حزبية وطنية حقيقية وقوية قادرة على التعبير عن الإرادة الشعبية وتَحَمُل الهم العام على عاتقها لقيادة الجماهير والأخذ بيدها نحو تحقيق طموحاتها في صناعة التغيير المطلوب التي قامت من أجله هذه الثورات ، كما يفسر البعض الآخر أن المشكلة تكمن في غياب النخبة الثقافية والمنظومة الثقافية الوطنية المتكاملة للدفع بانساقها الثورية المختلفة لتحقيق ما تصبوا إليه الجماهير. ويذهب البعض الآخر إلى إلصاق اللوم بالأغلبية الصامتة المتواجدة في كافة الأقطار العربية المتقاعسة في بيوتها التي لم تخرج إلى الميادين والساحات للمشاركة في الثورة مما تسبب في عدم إعطاء القوة الكافية لصناعة التغيير الكامل والسريع لإخراج بلدانها من الحالات البائسة والإنسداد السياسي التي وصلت إليه وكأنما ينبغي على خمسة وثمانين مليون مصري أن يخرج للشوارع للمطالبة بإسقاط النظام أو خمسة وعشرين يمني للشئ ذاته !. قد نتفق أو نختلف على أوجه القصور أو الأسباب التي تقدم ذكرها ، بيد أنه عندما نقوم بدراسة مبسطة عن الواقع في بلداننا العربية وفقاً لقوانين الإجتماع السياسي الحديث لا نجد حتى إثنين من البشر يتفقا بشكل كامل على طرق حل المعوقات والمشاكل المستعصية بصرف النظر عن إتفاقهما على أسباب وجودها. وينسحب هذا الخلاف الشديد في طرق الحل وعدم الإتفاق الشامل إلى المكونات السياسية والثورية المختلفة الذي يشكل السبب الرئيسي في عرقلة إنتصار الثورات العربية. وتنطبق على هذه الحالة الراهنة الآية القرآنية الكريمة {بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} سورة الحشر. وهذه الأنواع من الإختلافات لا تشكل ظاهرة صحية أو إيجابية لأن أساساتها لا تنطلق أصلاً من واقع المصلحة العامة عندما يثري الإختلاف والتنوع طرق الحل ، بل من المصلحة الشخصية الأنانية البحتة المرتبطة بالمصالح الأجنبية وغيرها ، وماهذه الإستقطابات الكثيرة والإئتلافات المتعددة في صفوف الثوار إلى درجة يضيع معها الحابل بالنابل إلا دليل على ذلك. فهل يمكن أن تكون الأركان الأساسية لمبادئ التغيير قد أختلفت إلى هذه الدرجة؟ أم أن الحقيقية التي أوصلت الوضع إلى هذه الحالة هي أن المصالح الإنتهازية والوصولية التي تشعبت وتجذرت وتفرعت وتفرخت لدرجة يصعب معها التمييز بين الحق والباطل والتفريق بين الصالح والطالح من كثر ممارسة النفاق والإبتذال واللعب على مئات الأوتار والحبال. فأين نحن من الإتعاض بالقرآن الكريم {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ} فأين هي المواقف المبدئية التي ينبغي أن تجتمع عليها كل الشعوب العربية لاسيما وأن أصل المشكلة واحد ، ولماذا أصبح الإسلام عبارة عن سلعة للنصب والإحتيال والدجل والمتاجرة تستخدمه بعض الدول والأحزاب المتأسلمة التي جعلت شعوبنا تهرب من كل أنواع التدين إلا بما يلبي الضرورات الإجتماعية وتطالب بدول مدنية دون وعي الكثير إلى ماتعنيه "دولة مدنية" بل أن من يرفعون الشعارات الإسلامية من الأحزاب المتأسلمة هم أول من يطالبون بدول "مدنية" في إستغلال وضيع ومقيت لهذا الجهل لمغازلة الغرب من أجل مساندتهم للوصول إلى السلطة في الوقت الذي لم يتخلى هذا الغرب حقيقة عن الأديان التي تدين بها دولهم وشعوبهم. لذلك لا أحد يستطيع أو يمتلك الحق من باب أولى في معاتبة العلمانيين وغيرهم من المطالبين بالدولة المدنية ، لاسيما ذلك النفر المتأسلم ، وذلك لما يشاهدونه ويعانونه من بلطجة علنية حد إرتكاب الجرائم الإنسانية الكبرى من قبل الجماعات الإسلاموية في سبيل الوصول إلى السلطة مما شكل حواجز وموانع متعددة أمام إنتصار الثورات العربية. إذن ، مالم يكن ثمة إجماع أو أغلبية تتفق بنواياها المعنوية والروحية بشكل صادق ، التي علمَنا إياها الإسلام وتقول بها الأديان الأخرى والتي مع الأسف لا نعيرها أي إهتمام ، على قواسم مشتركة بين الناس بما فيهم المرابطين في بيوتهم للتخلص من النظام القديم بكل أشكاله وقيمه المنحطة ومنظوماته العسكربلية والسياسية على طريق الإنتصار لثوراتنا العربية ستظل أمتنا رهينة الوصاية والإبتزاز الخارجي بكل أنواعه وأشكاله. {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أْؤلئك هم الفاسقون} فتأملوا. [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي