حالة عشق

كتب
الأحد ، ٢٠ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠٥:٠٥ صباحاً

 

للحج أسرار وأنوار تحسها الروح ويلحظها العقل السليم ....هذه الأماكن الجذابة للملايين على مر العصور والدهور ماسرها وماجاذبيتها؟ لم يأتوا لمصلحة مادية ولاعصا ملك، إنهم يتحركون بزاجر إيمانهم وعشقهم.. «لبيك اللهم لبيك» إنه تسليم وخضوع يتبعه خشوع، وعشق الحج عشق للشعائر والمناسك والأماكن بروح عبر عنة عبد الرحيم البرعي وعشقه المذاب : 

يا راحلين إلـى منـى بقيـادي 

                      هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي 

سرتم وسار دليلكم ياوحشتـي 

                      الشوق أقلقني وصوت الحادي 

لا أعلم عشقاً بهذا الشغف لأمكنة في المعمورة غير هذه الأماكن المقدسة في مكة والمدينة التي يزداد وهجهها كل ما تقادم الليل والنهار.. ولم يكن البرعي العاشق الوحيد فكل الحجاج عشاق.. كان الشاعر السوداني بعد أن طاف عواصم العالم وحط رحاله في المدينة يشهق شهقة الحب الأصيل ويصرخ وهو يرى قبر الحبيب وروضته «يافؤادي لقيت سؤلك فاهنأ.. هذه طيبة وهذا الحبيب». 

رسالة قيم حضارية    

مهرجان النور هذا يحقق معاني عظيمة من المساواة والأخوة أولاً ففي الحج تعبير تراه واقعياً لمعنى لافرق بين عربي ولا عجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى فترى الأسود يزاحم الأبيض.. الأعجمي بجانب العربي والفقير مع الغني والحاكم والمحكوم.. لا امتيازات أو شعائر خاصة، إن الحج عشق للخلود ومساواة.. ليأتي يوم عرفة الذي يقف فيه الناس بنظام عجيب في الوقت والحركة والقدوم والانصراف، إنها رسالة الإسلام إلى قيم الحياة وفي مقدمته النظام والانضباط كقيمة حضارية فقدها المسلمون الذين لم يتعلموا من روحانياتهم ومناسكهم التي تحيي الأمم. 

 

رسالة حقوق وحرمة الدماء 

في عرفة وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يقول آخر وصاياه جاء منها: «أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها».. وكأنه «صلى الله عليه وسلم» كان يعلم أن بوابة الخذلان والهلاك للأمة ستأتي من ضياع الأمانة ومايتبعه من تناحرغطى على الزمان والمكان ودمر كل شيء والذي بدأ في اغتصاب الحكم ثم انتقل إلى تناحر على كل شي إلى درجة أن دم المسلم أصبح الأرخص عند المسلم ولاتجد في أي شعب أن حاكماً يقتل شعبه ويقول وهو يقتلهم: لم نخسر شيئاً سوى الرصاصات التي قتلتهم، هذه لدى المسلمين وحكامهم الذين وجدوا علماء باسم الدين يفتون أيضاً بجواز قتل الناس وإبادتهم، إنها مأساة لم يمنعها دين ولاروح ولاإنسانية.. ولن تمنعها إلا أن يقوم الناس كلهم ويتعلموا كيف يقاوموا الظلم وينصروا المظلوم أياً كان ،إنها رسالة الحج، الذي نرى معظم مناسكه رجماً للشيطان وتحفزاً ضد الظلم، إن مقاومة الظلم قيمة إيمانية نتعلمها من الحج والصيام» والزكاة والصلاة حتى تعود لنا قيمة بين الأمم تطبيقاً لقول الرسول الكريم «اذا هابت أمتي أن تقول للظالم ياظالم فقد تودع منها» إن كل الإشارات الروحية والحضارية والجمالية والإيمانية تجدها في الحج وتجدها مكثفة أكبر في عرفة.. فلبيك اللهم لبيك واللهم في هذا اليوم عليك بالظالمين اين ماكانوا فإنهم لايعجزونك.. وكل عام وأنتم بخير. 

 

[email protected] 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي