إلى ختامية الحوار.. مضمون التغيير لا عدد الأقاليم

كتب
الجمعة ، ١١ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠١:٥١ صباحاً

بقلم: عارف الدوش -

اليوم الثلاثاء الـ8 من أكتوبر2013م تبدأ الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني أعمالها بعد 6 أشهر و20 يوماً تقريباً من حوارات متعدّدة الأنواع والأشكال والآليات بين مكوّنات وأطياف العمل السياسي في البلاد المنضوية في أحزاب وتنظيمات سياسية، أو تلك المعبّرة عن مكوّنات شبابية والمرأة والمجتمع المدني، حوارات وجدل عالي الصوت بكل حرية وشفافية جرى بين من وقّع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وبين من تحفّظ عليها ورفضها، بين من كانوا ائتلاف معارضة وانتقلوا إلى ساحات الثورة والتغيير والحرية ثم إلى السلطة وبين من كانوا في السلطة وقبلوا بشراكة المعارضة، بين من كانوا في ساحات الثورة والتغيير والحرية وانتقلوا إلى طاولات مؤتمر الحوار الوطني.

حوارات ساخنة وجدل عالي الصوت دار بمختلف الأشكال والأنواع والآليات لأول مرة في اليمن حول قضايا الشعب والوطن المصيرية وحول المسكوت عنه لأكثر من نصف قرن؛ سمعه الناس في أرجاء اليمن بالصوت والصورة، وتابعه العالم، وأشرف عليه ودعمه المجتمعان الإقليمي والدولي «الدول العشر الراعية للحوار الوطني» وبخصوصه صدرت قرارات وبيانات رئاسية من مجلس الأمن الدولي وخصّص له مبعوث دولي بدرجة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن السيد جمال بن عمر يعاونه طاقم خبراء دوليين.

سيمفونية حوار وجدل عزف فيها اليمنيون على مدى ستة أشهر من مختلف أطياف العمل السياسي والثقافي ومكوّنات المجتمع؛ عزفوا مقاطع طويلة من الشفافية والصراحة والتسامح والإصرار على إعادة صياغة اليمن بشكل جديد غير ذلك الذي كان قبل 18 مارس 2013م يوم انطلاق الحوار الذي كاد ينفجر بمن فيه من البشر ويتحوّل إلى شظايا وحمم بركانية تشعل الإقليم والمنطقة برمتها وتربك العالم كونه يقع في منطقة جغرافية مهمّة وحسّاسة بالقرب من خزان الوقود والغاز العالمي “دول الخليج والجزيرة العربية” ويشرف على ممرات الطاقة والتجارة العالمية في منطقة قلب العالم الممتدة من القوقاز شمالاً حتى البحر العربي جنوباً.

وقد كانت هناك قضية مركزية سيطرت على مجريات الحوار الوطني؛ بل كانت بتعبير المشاركين في الحوار هي قلب الحوار؛ فإن عُولجت بشكل صحيح، وتوافق اليمنيون على حلول علاتها وأمراضها في طاولات الحوار الوطني؛ صحَّ جسد اليمن كله وتعافى من أدرانه وأمراضه وعلله وتلك هي «القضية الجنوبية» التي لولاها ما عُقد مؤتمر الحوار الوطني أصلاً، ولا صدرت بخصوصه قرارات وبيانات رئاسة من مجلس الأمن الدولي، ولا خصّص العالم مبعوثاً دولياً خاصاً بشؤون اليمن، ولا توافقت دول العالم ممثلة في مجلس الأمن ودول المحيط الممثلة في مجلس التعاون الخليجي وكوّنت «مجموعة الدول العشر الراعية للحوار الوطني في اليمن» الحديث ذو شجون، ومساحة النشر لا تسمح بالتوسُّع في الحيثيات لما سأوجزه في نقاط:

1 - هناك ضرورة يمنية وإقليمية ودولية لإعادة صياغة الوحدة اليمنية بشكل جديد يحقّق الرضا والقبول من قبل فئات الشعب اليمني في الجنوب والشمال والشرق والغرب، ويكون معبّراً في تفاصيله الجديدة على أرض الواقع عن مصالح جميع مكوّنات وطبقات وشرائح المجتمع، ومترجماً لحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومتيحاً لها جميعاً فرصة التنافس والتمكين من المشاركة في الحكم والتمتع بالثروة.

2 - هناك ضرورة للإدراك الواعي أن اليمنيين أمام فرصة ثمينة ونادرة لإعادة صياغة وحدة 22 مايو 90م، وأن جوهر المشكلة ليس الموقف من الوحدة ولا الموقف حول عدد الأقاليم «إقليمين أو أربعة أو خمسة» بل الجوهر هو بناء يمن جديد على أسس وقواعد تشريعية وسياسية وتنموية تخدم تطلُّعات الأجيال القادمة، ولا تصادم رياح التغيير التي هبّت بفعل حركة الشباب وثورتهم التغييرية الحالمة بيمن جديد للجميع، وليس لأسرة أو منطقة أو قبيلة أو سُلالة.

3 - هناك ضرورة أن يعبّر التغيير عن المصالح والرؤى المختلفة والمشارب السياسية والفقهية والمذهبية المتعدّدة، ولا يعيد إنتاج أية غلبة لفئة من فئات المجتمع على أخرى، أو مركز حكم مسيطر يفصّل الدولة ومؤسسات الحكم على مقاسه هو وجماعته، ويستحوذ على عناصر القوة “المال والسلاح” ليخضع الأغلبية من أبناء الشعب “الطبقة الوسطى” أو الغلابى محدودي الدخل والفقراء لخدمته وخدمة مشاريعه الخاصة مقابل فتات هي أصلاً من ثروات البلاد.

4 - هناك توافق إقليمي ودولي على إخماد بؤر التوتر والسيطرة على منابع العنف وترويض محاضنه؛ ليس في اليمن فحسب وإنما في أهم منطقة في العالم “منطقة قلب العالم من القوقاز شمالاً حتى بحر العرب جنوباً” باعتبارها منطقة حيوية لاقتصاديات العالم؛ وبالتالي لابد من القضاء على التهميش والإقصاء والإكراه بحيث يجد كل يمني تطلُّعاته وآماله السياسية والاقتصادية والاجتماعية ممكنة التحقيق بعيداً عن فرض المشروع الواحد وتوليد الصراعات والاحتراب على السلطة والثروة.

5 - أنقل لمن بيدهم مقاليد القوة وخزائن الثروة ومن يعتقدون أنهم قادرون على الإلتفاف على مخرجات الحوار وإفراغ مضامينها من محتواها ما قالته السفيرة البريطانية الجديدة في اليمن “جين ماريوت”: «هناك من يحاول تمرير أجندته الخاصة على حساب مستقبل اليمن، وهي أطراف داخلية، وقرار مجلس الأمن رقم 2051 يؤكد ضرورة الحد من هذه الأجندة».

وأضافت في حوار صريح مع صحيفة «الثورة» نُشر الخميس الماضي: «إننا لن ندع هذه الأطراف تملي على الأغلبية ما يجب أن يتم أو ما تريده القلّة، والأهم أن يعي هؤلاء الناس أن الخيار الأفضل هو العمل لصالح اليمن وليس لمصالحهم الخاصة».

6 - إن الجدل الدائر حول وحدويين وانفصاليين وعدد الأقاليم “إقليمين أو أربعة أو خمسة أو ستة” كل ذلك تسطيح لجوهر المشكلة والعلّة، وهروب من استحقاقات مضمون التغيير، ليدرك علية القوم ومن بيدهم مقاليد القوة وخزائن وحسابات وأرصدة الثروة أن العالم كلّه توافق على يمن بمضمون جديد، ولن يسمح لهم بالعبث، فالمطلوب دولة مدنية حديثة.

7 - وأخيراً: نتمنّى أن يعي من يتآمرون على مُخرجات مؤتمر الحوار، ومن يعتقدون أنهم بما يمتلكونه من مال وأسلحة قادرون على تحقيق مآربهم، قد ينتصرون في معركة أو اثنتين؛ لكنهم بكل تأكيد سيخسرون كل ما جمعوه من مال وثروة وسلاح، فاليمنيون لم يعودوا أولئك المغفّلين الذين تقطرنوا في الأربعينيات، ولا أولئك الحمقى الذين تقاتلوا في نهاية الستينيات، ولا أولئك الخائفين الصامتين والراضين بالفُتات خلال أكثر من ثلاثين عاماً، فهناك جيل جديد من الشباب والشابات حدّدوا هدفهم، ويعرفون خصومهم جيداً، وبنضالهم السلمي وأساليب اللا عنف حتماً سينتصرون، اللهم أني بلّغت، اللهم فاشهد.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي