الحوار.. بين الرفض والقبول

كتب
الاثنين ، ١٦ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٢٦ صباحاً

 

‏لجنة 16 المصغرة المنبثقة من فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل أحدثت تساؤلات واستفسارات واعتراضات من قبل البعض كونها أعلنت بشكل فجائي ولم يسبق التهيئة لها أو توضيح مبرّر هذا الاختصار من أربعين عضواً في الفريق إلى ستة عشر عضواً.

 

 أعضاء مؤتمر الحوار أقسموا اليمين على العمل بجد وإخلاص لحل كل قضايا الوطن وتحكمهم لائحة داخلية لا ينبغي أبداً السماح بتجاوزها تحت أي مبرر إذا كنّا حريصين على إنجاح مؤتمر الحوار.

 

البعض اعتبر هذه اللجنة عبارة عن لجنة مصغرة وما تتوصل إليه من رؤى ستعرضها على الفريق المكوّن من 40 عضواً الذي له الصلاحية بإقرار ذلك أو رفضه بحسب التصويت الذي حدّدت إجراءاته اللائحة الداخلية للمؤتمر ومن ثم عرضه على الجلسة العامة للمؤتمر للتصويت عليه، وعلى هذا الفهم ممكن تفهم مبرر تكوين هذه اللجنة ولو على مضض، على أن يكون للجميع موقف تحذيري من أن تتكرر التجاوزات.

 

أعتقد أنه آن الأوان لشرفاء الوطن في مؤتمر الحوار من كل المكوّنات التي احتواها هذا المؤتمر ومن كل مناطق اليمن من شرقه وغربه وشماله وجنوبه لإنشاء كتلة وطنية تاريخية يكون همها الأول تأسيس قواعد ثابتة لمواطنة متساوية، وتجذير الأسس والضوابط التي تمنع تكرار أخطاء الماضي سواء المظالم والجرائم التي حدثت بعد حرب 94 م أم تلك الأخطاء والجرائم التي ارتكبت قبل الوحدة في كلا الشطرين؛ على أن تعمل هذه الكتلة على إنصاف المظلومين وجبر الضرر، وإنصاف أبناء المحافظات الجنوبية من الغبن الذي أصابهم بعد الوحدة، وأن يمثّلوا التمثيل الحقيقي اللائق بهم، فقضيتهم تعتبر قضية الجميع، ويجب ألا نخضعها للمزايدة أو الابتزاز من أي طرف، ولا أعتقد أن أحداً سيقف حجر عثرة أمام إنصافهم ليكون أبناء الوطن جميعاً شركاء في السلطة والثروة حتى لا ندع القضية الجنوبية قميص عثمان يستخدمها البعض للإثراء وتحقيق مصالحهم الشخصية، مدغدغين عواطف الجماهير المجروحة أصلاً، مستغلين جراحاتها، راكبين الموجة للمتاجرة بمشاعر المواطنين، مصوّرين لهم أنهم هم المنقذون والمخلصون لهم من معاناتهم.

 

وعلى هذه الكتلة تحمل مسؤوليتها التاريخية أيضاً لوضع الضوابط التي تخلص الشعب من مراكز القوى في المحافظات الشمالية التي كانت السبب الأساسي فيما وصلت إليه البلاد، وعدم السماح لهذه المراكز بالعودة مرة أخرى للسيطرة على مقدّرات الشعب والعبث بثروته.

 

 إن ما يجري ويحاك للوطن من قبل قوى داخلية وخارجية أمر خطير يجب إدراكه من قبل الجميع، وعلى الجميع أن يدرك أن هذا الخطر لا يستهدف المحافظات الشمالية دون الجنوبية، ولا الغربية دون الشرقية، وأن حاول البعض تصوير الأمر بهذه الصورة مستغلاً المزاج الشعبي المتعكّر في بعض المحافظات لأسباب الجميع يعرفها؛ فأنا أعتبر نفسي ابن المحافظات الجنوبية وتربية الجنوب، وأعلم بالمنهجية التي تربّى عليها أبناء المحافظات الجنوبية في حب الوحدة والسعي إلى تحقيقها، فعندما كنا طلاباً كنا نقسم في طابور كل صباح على العمل من أجل تحقيق اليمن الديمقراطي الموحد، ولذلك لا ينبغي أبداً أن نحاكم الوحدة التي هي الوجدان والروح لكل مواطن يمني، وألا نحمّل الوحدة أخطاء وجرائم الأشخاص، فالعالم كله اليوم يسعى نحو التوحد كما في أوروبا رغم الصراعات التاريخية بينهم وملايين القتلى الذين كانوا ضحايا صراعاتهم، ورغم اللغات المختلفة والمعتقدات المتباينة في إطار الدين المسيحي، والتباين الشاسع بين دولهم من حيث الغنى والفقر، لإدراكهم أن هذا العصر عصر التكتلات ولا مكان للكيانات الصغيرة بين الأمم، فلماذا نحاكم الوحدة، ونجلد الذات..؟! علينا جميعاً أن نصب كل جهودنا لإصلاح الاعوجاج ونعالج الخلل ونصيغ عقداً اجتماعياً ينصف الجميع ولا يكون هناك خاسر ورابح.

 

 وأعتقد أن الواجب على النُخب الصامتة المؤمنة بهذا التوجه من أبناء المحافظات الجنوبية أن يكسروا حاجز الصمت ويعلنوا مواقفهم التي يؤمنون بها صراحة دون خشية أو خوف من انتقاص شعبيتهم بسب المزاج الذي أسلفنا الحديث عنه، ففي المواقف المفصلية التي تحدّد مصير الأمم يجب ألا ينظر المرء للشعبية وكسب الأصوات، فالنُخب هي التي يجب أن تقود الجماهير إلى بر الأمان، لا أن تركب موجة الشارع، وآن الأوان أيضاً لإخواننا في المحافظات الجنوبية ألا ينظروا إلى الوحدة على أنها مصلحة للشمال فقط وأنها لا تعني للجنوب شيئاً، فهذا اعتقاد قاصر لا ينظر إلى بعيد، أدعوهم إلى أن يجتمعوا جميعاً ويتدارسوا الأمر بمسؤولية وطنية عالية بعيداً عن كل المؤثّرات التي تسيّر الأمزجة والأهواء، وأن يتخذوا قراراتهم المصيرية بدراسة علمية عميقة وبعدها لهم أن يقرّروا ما يشاؤون، لا أن ينساقوا خلف هذا أو ذاك، وهم يعرفون تواريخهم وصفحاتهم الحالكة السواد.

 

 أقول ذلك براءة للذمة والتاريخ كمواطن يمني أستشعر أني أنتمي إلى الوطن كل الوطن الذي تربيت على حبه وترعرعت على أرضه في الشمال والجنوب، وعاهدت الله أن أحبه وأقدم مصلحته على كل مصالحي الخاصة، وأن أكون جندياً للحفاظ عليه أينما كنت، وأن يبقى نبض قلبي يمنياً مهما ادلهمت الخطوب.

 

 اللهم وحّد كلمة اليمنيين على رضاك وحب الوطن والحفاظ عليه.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي