صحوة مشايخ ماوية!

كتب
السبت ، ٠٧ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٢:١٠ مساءً
بقلم/ سامي نعمان
بقلم/ سامي نعمان

بعد طول سبات، وحشدوا العشرات من المواطنين صوب إدارة أمن تعز، لإرغامها على القبض على متهمين باختطاف مواطنين من أبناء المديرية، والاعتداء عليهم ونهب سياراتهم.. في المحصلة أوصلوا رسالة، تذكر بأنه لا زال هناك مشايخ في ماوية، قادرين على عمل شيء، كبعض مشايخ شرعب. كانت الوجهة صحيحة، فمدير الأمن وأجهزته مسؤولة كلياً عن حالة الفلتان الأمني في تعز، التي أصبحت مسرحاً للعصابات وقطاع الطرق والمرتزقة الذين ينهبون محلات تجارية وسيارات ويقتلون الناس على مقربة من إدارة السعيدي.. بيد أن الطريقة كانت خاطئة، إذ كان بإمكان المشايخ إيصال رسالتهم دون الحاجة لاستعراض القوة، والأسلحة للتذكير بوجودهم وقدرتهم الوعيد بتصرف آخر.. من حق المواطنين قبل المشايخ الاحتجاج والضغط على أجهزة الامن المهترئة، للقيام بمسؤوليتها حيال أي انفلات أمني طال أبناء ماوية او غيرها، ومن حق المخطوفين والمنهوبين استعادة املاكهم ورد اعتبارهم، وهذه مسؤولية أمنية بالمقام الاول يتبعها اجراءات القضاء، سواء كان الجناة من شرعب أو ماوية أو حاشد.. لا ينقص تعز زيادة عدد المسلحين والأسلحة فيها، فهي مكدسة بما يكفي، ولا يعزز أمنها أن يستعرض أي طرف مسلحيه وقوته لحظة رخوة أمنية، ويتحمل المشايخ والنافذون في تعز جزءاً من مسؤولية الاختلالات الأمنية فيها، خصوصاً أن بقاء مسلحيهم في المدينة، وأطرافها، رغم انتهاء المهمة المفترضة التي انتدبوا لها كـ«حماة للثورة»، بوقف العمليات العسكرية والاشتباكات التي شهدتها تعز منذ منتصف العام حتى نهايته.. ليس مقبولاً أن يظل مسلحو الشيخ حمود المخلافي أو صادق سرحان شماعة للنهب والسطو والفلتان، كما لم يعد مقبولاً بقاء هيمنتهم الفعلية على أجزاء في المدينة، وتغاضيهم عن أعمال إجرامية في مناطق نفوذهم الظاهر أو الباطن، وعليهم أن يتعاملوا بمسؤولية إزاءها، سواء تمت من قبل بعض المحسوبين أو المنتحلين صفتهم، وأن لا يسمحوا بانفلات الأمور نحو عداءات مناطقية وقبلية، ليس مستبعداً أن تكون ممنهجة في إطار تصفية حسابات المرحلة الماضية، البلد عموماً، وتعز بوجه خاص في غنى عنها في هذا المخاض العسير.. وعلى ذكر مشايخ ماوية وصحوتهم التي جاءت في الوقت بدل الضائع، ولو استمروا في سباتهم الايجابي لكان أفضل.. هؤلاء المشايخ لم يحركوا ساكناً يوم استبيحت تعز طيلة ستة أشهر، وقصفت بالمدافع والدبابات.. لم يستيقظوا يوم قتل الآمنون في مساكنهم بأداة القتل والاجرام، ولم تأخذهم الحميّة، غِيْرة كانت أم جاهلية، يوم قتلت عزيزة، أول شهيدات الثورة اليمنية.. لم ينتفضوا يوم قتلت نساء تعز وقت صلاة الجمعة في ساحة الحرية.. لم يكن مطلوباً منهم الانضمام لجبهة المخلافي وسرحان، وعسكر الثورة - بيد أن منهم من فعلوا- كان على بعض المتبركين بالعوبلي وقيران أن يتخذوا موقفاً يحسب لهم، عوض استغلال الظرف للحظوة ببعض قطع سلاح وذخيرة مقابل الانخراط في حماية الشرعية الهزيلة، وإن لم يشاركوا هواة القتل والاجرام – في الغالب- مهمة النصع على المدينة وأبنائها باعتبارهم ميليشيات للمشترك والاصلاح وعصابات المخلافي وسرحان.. في زحمة الثورة سجل أبناء محافظة تعز طيلة عام مضى حراكاً ثورياً نوعياً، أثر في مجراه في المقام الاول شباب ومواطنون ينتمون لماوية تماماً كمختلف قرى ومديريات تعز، كبقية المحافظات والتحق بهم مسؤولون ومشايخ وعسكريون.. كانت تلك اللحظة هي الأكثر تشريفاً لإظهار البطولات، واتخاذ المواقف المحترمة، حلماً بوطن خالٍ من التمييز والتهميش والبلطجة والاقطاعية، والاستبداد وحكم الأسرة والفلتان الأمني.. كان هناك حضور لبعض مشايخ ماوية، فيما ظل آخرون أسرى حسابات ضيقة، لا ترقى حتى لكسر عقدة شيخ من «منزل»، يجهد عقله دائماً بالتفكير بيوم يساوي فيه شيخاً بسيطاً من «مطلع» نفوذاً وجاهاً وامتيازات، لا أن يظل شيخ «ضمان»، مسجل بمصلحة القبائل كشيخ، راتبه الشهري يتراوح بين ألف، وثلاثة آلاف ريال.. لكن دون جدوى. يكتسب الشيخ ثقله وقوته من التحامه بأبناء منطقته وتفانيه في خدمة أبنائها، وحل قضاياهم وخلافاتهم ودياً دون جبايات تعرف بـ«الأدب»، يسلبون معه بقايا ذهب النساء وأغنام الرعية عند أتفه خلاف قد يكون على مسقى أو شجرة أو حتى شجار بين أطفالهم، ودون أن يستدعي الأمر وصولهم لأجهزة الأمن المتسيبة والقضاء الهش الذي يقتل قضاياهم بالمماطلة، واستغلال ما أتيح له من جاه وحظوة لتحسين ظروف معيشتهم، ودعم قيم التكافل فيما بينهم.. هناك عصبيات ينبغي أن يتجاوزها المجتمع، لا أن يكرسها المشيخ لحظة شجاعة طارئة، يحمدون بدونها .. ومهمة الضغط لمواجهة الاختلالات هي مسؤولية إنسانية اجتماعية، لا ينبغي ان تظل محصورة في أقرباء المتضررين وأبناء منطقتهم، ولا ينبغي لها أن تتحول إلى عصبية، كل يهتم لأمر أبناء منطقته أو أفراد أسرته، في ظل تخاذل بقية قوى المجتمع السياسية والاجتماعية والقانونية والحقوقية عن متابعتها، لأن ذلك يكرس مزيداً من العصبيات التي ينبغي التحلل منها، واستبدالهم بقيم التضامن. وقبل كل ذلك تستدعي مسؤولية الأجهزة الأمنية والنيابة والقضاء كجزء من غيرتها على مهامها المغتصبة من قبل بعض قياداتها التي اخترعت للأمن مهمة أخرى من قبيل قتل المتظاهرين الأبرياء، وابتزاز المواطنين بالحق والباطل.. الأولى أن ينتصر الجميع، للعدالة - أياً كانت اشكالياتها- ولدور الأمن – أياً كانت مساوئه- بنزاهة ودون حسابات حب الظهور وتسجيل مواقف القوة كذخيرة للمستقبل بمتغيراته.. على الجميع أن ينتفضوا ضد الأجهزة الأمنية الرخوة والقضائية الهشة لمطالبتها بأداء مهامها وحفظ أرواح الناس، بدلاً من ابتزازهم والمتاجرة بدمائهم.. لأنه لا بديل لها سوى الفوضى وقانون الغاب، وغياب الحق عن الجميع.

المصدر / الجمهورية

الحجر الصحفي في زمن الحوثي