هل ستضيع مقدرات اليمن في كواليس الوفاق..!!

كتب
الاربعاء ، ٢٢ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٩ صباحاً

 

سأستعير قديمي، وأعود الى العام 2007م، حينما زرتُ القاهرة لاول مرة، والتقيت باصدقائي المصريين الذين عملت معهم في صحيفة الوحدة الاماراتية في ابوظبي قبل اكثر من 13 عاما، ولازلتُ اتذكر جيدا تساؤلات الصديق العزيز والكاتب المصري القدير محمد القدوسي، وهو من زملائي الاعزاء، حينما كان يسردها تباعا ونحن بحضرة مجموعة من كبار الاعلاميين المصريين..

 

مما علق بذاكرتي جيدا ان اليمن تتفرد عن غيرها من دول العالم بأن تنظيم القاعدة يعلن عن عملياته القادمة، ويتصل بوسائل الإعلام، ويُحدد الأهداف التي ينوي ضربها، وفي اليمن فقط، يسمع الجميع "عبر الإعلام" عن الانشقاقات الحاصلة داخل تنظيم القاعدة والخلافات المستجدة بين قادتها وجماعاتها، وفي اليمن فقط، يعرف الناس أين تختبئ عناصر القاعدة، وفي أي الجبال تتحصن، وفي أي المعسكرات تتدرب، وفي اليمن فقط، يهرب عناصر القاعدة من سجون الأمن السياسي، ثم يُسلمون أنفسهم طواعية، بعد أن يكون قد تم استثمارهم جيداً في مهام وطنية وانتخابية..

 

في اليمن فقط، تتوسط الدولة بشيوخ القبائل لإنجاح حواراتها "خارج السجون" مع القاعدة، ومن يرفض الحوار منهم، تضربه طائرة أمريكية في عقر داره، دون أن يُعد ذلك انتهاكاً للسيادة الوطنية، بل استفادة من خبرات وإمكانات الشركاء الدوليين في مكافحة الإرهاب!!، في اليمن فقط، تُعلن السلطات ـ وبكل فخر ـ أنها ترتبط بعلاقات طيبة وحسنة مع عناصر القاعدة، وأنها نجحت في استقطاب العديد منهم إلى صفوفها، وضم الكثير منهم إلى مؤسساتها العسكرية والأمنية منها على وجه الخصوص!!

 

في اليمن فقط، يتم الإعلان عن لقاء ودي بين رئيس الدولة (انذاك) وأحد قادة القاعدة، ليُعلن هذا الأخير ولاءه للرئيس، ودخوله تحت إمرة السلطة!!، وفي اليمن فقط يتم التلويح بورقة الإرهاب، ومايُسمى بالجماعات الجهادية، لتصفية الحسابات الداخلية، واللعب بورقة ملف العلاقات الخارجية!!

 

كانت هذه التساؤلات سببا في دخولنا جميعا بنوبة عالية من الضحك المبكي، فلا التساؤلات مضحكة أو على سبيل النكتة ولم أستطع ان انكرها حينما سُئلت عن صحتها رغم محاولتي الالتفاف على بعضها بنوع من (العبط) السياسي غير المجدي وشر البلية مايضحك، الامر الذي جعل الزميل العزيز الدكتور كمال حبيب وهو احد المفكرين المصريين المعتبرين والذي حضّر الماجستير والدكتوراه في المعتقل الذي دخله في قضية مقتل الرئيس الاسبق انور السادات؛ حيث يصيح بأعلى صوته بأننا كيمنيين اشداء في كل حاجة الا في الارهاب فنحن ناعمين قوي عليه ومدللينه عالآخر "حد تعبيره"..!!

 

كان هذا في عهد النظام السابق وكنت شخصيا وغيري معظم الشباب الذي خرج الى الساحات نطمح الى طي هذه الصفحة وبدء صفحة جديدة في التعامل الحازم مع كل من يسيء الى اليمن وشعبه، سواءً من الشخصيات العامة او الخاصة، او التنظيمات الايدولوجية او السياسية او النفعية او بأي وسيلة من الوسائل، لكنني بت اليوم اكثر ايمانا بأن الثورة تم تفريغها من محتواها واننا وصلنا الى منزلة بين المنزلتين، وان النظام السابق لازال يحكم بكافة أدواته الاصلية أو المستأجرة البديلة.!!، وان القوى السياسية قفزت على احلام اليمنيين في التغيير الى الافضل وقتلت طموحهم في الوصول الى اليمن الجديد الذي خرجوا ينشدونه وقدموا من اجله سيولا من الدماء وقوافل من الشهداء والجرحى والمعوقين، مقابل العديد من المنافع السياسية والمادية التي حصلت عليها، اضافة الى الانتصار الكبير الذي أروى ضمأ ذواتهم بكسر الخصم وسلب مافي يده من قوة وجاه ومال بفعل السلطة المطلقة التي حاول تجييرها واحتكارها لذاته، في خضم صراع الخصوم في اطار القوى التقليدية الحاكمة منذ ثلاثة عقود من الزمن.

 

تذكرتُ تلك الجلسة المصرية الرائعة بعد علمي بأكثر من 7 تفجيرات ارهابية حصلت خلال الاسبوع الماضي فقط، منها خمسة تفجيرات ارهابية طالت ابراج الكهرباء، ومنها مقتل ضابط الامن السياسي في حضرموت بتفجير ارهابي استهدفه شخصيا، وثالث فجّر كابل الالياف الضوئية الخاص بالانترنت، وكلها تفجيرات ارهابية جبانة ومدانة، تخدم الفوضى وتنشر الرعب وتخرب البنية التحتية للبلاد وتقتل الناس في المستشفيات التي تنقطع عليها الكهرباء لفترات طويلة، وتعيث في الارض فسادا، لصالح (اللهو الخفي) كما يقول اخواننا المصريين، و(الجن) بلهجتنا.

 

ومع الانفلات الامني الذي ننعم به هذه الايام اصبحت الارواح رخيصة وكل من حمل مسدسا رأى نفسه بحاجة ماسة لتجريب الطلقة الاولى، وشواهد هذا الوضع كثيرة اخرها ماحدث للشابين امان والخطيب الاربعاء الماضي..!!

 

* تبا لكل من لايقدس حرمات الله، وتبا لكل من يعتدي على النفس المحرمة التي حرمها الله من فوق سبع سموات وجعل دم المسلم محرما تحريما مغلظا فقال سبحانه "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم"، فهل من يفعل هذه الافعال مسلم يؤمن بالله وبما انزله في كتابه.

 

لن استرسل كثيرا في هذه النقطة، لكني اريد ان اتساءل عن مصير من تم الاعلان عن اسمائهم بانهم يستهدفون ابراج الكهرباء وانابيب النفط التي تعد ركيزة الاقتصاد الوطني وتخريبه محرم شرعا؛ ومُجرّم قانونا، وبعضهم أُجريت معهم لقاءات صحفية وعلى عينك ياحكومة الوفاق الوطني الضعيفة المستكينة..

 

اين دور الجيش الذي يفترض ان يكون الجهاز الاعلى في المعادلة الامنية وفرض هيبة الدولة نظرا لمكانته في قلوب الناس وابتعاده عن العملية السياسية بالمطلق كما هو الجيش المصري الذي يعد الجهاز او الكيان الوحيد الذي لايمكن المساس به من قبل كافة الاطراف السياسية والاعلامية هناك والتي تنتقد رئيس الجمهورية وجماعته وحكومته بنقد لاذع، لا لشيء إلا لان الجيش له هيبة وطنية عالية، لأنه احترم ذاته ولم يدخل في المعمعة السياسية.

 

اين الاجهزة الامنية المتعددة من الداخلية الى الامن العام الى السياسي الى القومي الى الاستخبارات العسكرية الى غيرها من الاجهزة الخاصة والعامة والمعروفة وغير المعروفة، اين دورها وماذا عملت وماتقاريرها حول هذه العمليات التي تستهدف امن البلاد واستقرارها وثوراتها الحاضرة والمستقبلية...!!

 

ولو عدنا قليلا الى الوراء، وتحديدا الى جمعة الكرامة ومحرقة تعز وتفجير جامع النهدين وحادثة السبعين مرورا بالعديد من الحوادث الجسيمة التي وقعت خلال العام 2011م والتي كنا نضن انها لن تمر مرور الكرام وان فاعلها ومنفذها ومخططها سيلقون حتفهم وعقابهم العادل في الدنيا قبل الاخرة، لكننا الى اليوم لم نسمع عن اسم معين شارك او ساهم او نفذ او اشار مجرد إشارة في تلك العمليات التي هزت البلاد وأبكت العباد وأغضبت الله في السماء قبل الانسان في الارض..!!

 

هناك من يقول ان هناك توافقات سياسية تتم بعد كل عملية، وان طرفي (الازمة/الثورة) يتنازلون لبعضهم البعض بالمقايضة فيما بينهم، وبالتالي لايتم الاعلان عن شيء، والضحايا يُساقون الى ربهم وهو اخبر بهم وبتصنيفهم "شهداء او قتلى" وبمصائرهم الابدية الى الجنة او النار بعيدا عن عدالة القضية التي دفعوا حياتهم ثمنا لها او اسبابها ومسبباتها السياسية والكيدية.

 

هل سيأتي اليوم الذي يحترم فيه مسؤولينا عقولنا ويضعونا امام مصائرنا الحقيقية لنعرف من معنا ومن ضدنا، من المخطئ ومن المصيب، من الذي يعمل لصالح اليمن ومن يعمل ضدها، لقد ضاعت "الصعبة" وكثرت "الاشخاط" وزجاج القافلة "مُشتّخ" ولايمكن ان نرى بعيدا بفعل الضباب الحاجز، فهل آن الاوان لوجود دليل حقيقي يقودنا الى بر الامان بذمة وامانة وضمير.. آمل ذلك وانا لمنتظرون..!!

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي