اليمنيون يتساءلون: أين الثورة..!!

كتب
الخميس ، ١٦ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٠٤ صباحاً

 

لااعتقد ان هناك يمني أعجبه او نال استحسانه ذلك اللقاء التلفزيوني الذي اجرته قناة الجزيرة مع رئيس الوزراء الوالد محمد سالم باسندوة شفاه الله منتصف فبراير الماضي، والذي أصبح "لطخة" عالقة في اذهان غير اليمنيين عن شخصية رئيس الوزراء اليمني، حتى انني تعرفت على احد اساتذة العلوم السياسية الكبار في مصر وعندما عرفته بنفسي باني من اليمن كان اول سؤاله، "هو انتو ماحصلتوش رئيس وزراء غير باسندوة..!!"، فقلت له لماذا؟، قال تابعت لقاءه في قناة الجزيرة فلا مظهر ولاجوهر ولامنطق ولادبلوماسية ولا أي مؤهل يمكن الاستناد عليه ليقود هذا الرجل حكومة إنقاذ وطني..

قلت له بدايةً لابد ان تصحح معلوماتك.. الموجود في اليمن هذه الايام بناءً على المبادرة الخليجية؛ حكومة وفاق وطني وليس انقاذ وطني والفرق كبير، فقال وبصوت عالي وحاد: ولا حتى وفاق وطني.. حرام عليكوووو.

دخلنا في جدل عقيم وحاولتُ جاهداً ان أجمِّل الصورة لكن هيهات.. الرجل قال كلاما لااستطيع ان اذكره هنا عن اليمنيين وحياتهم العبثية التي يتحكم بها "كم عسكري وشيخ قبيلة أمي" على حد قوله.. وأضاف "هُمّ يتخانقوا فتروحوا إنتو متحاربين، ويتفقوا فتقوموا متصالحين.. مالكمش لزمة.. هي الناس بالكرفتات ياابني..!!

دخلنا في العديد من الزغاطيط التي اردت ان اتوه استاذ العلوم السياسية فيها دفاعا عن الوالد باسندوة وحكومة الوفاق الوطني، مثل الحالة الاستثنائية التي تمر بها اليمن وكيف كانت قبل عام والى اين كان المصير لو لم نتوافق على شخصية وسطية مثل باسندوة، واشياء كثيرة خضنا فيها حتى وصلنا الى القواسم المشتركة بيننا وبين مصر فيما يخص الاداء الحكومي والفشل الامني وبعض القضايا المتشابهة مثل قضايا الاراضي التي كانت اثيرت في مصر وتم استعادة بعض الاراضي التي كان النظام السابق وهبها لبعض المستثمرين الخليجيين امثال الوليد بن طلال وغيره.

* وبعد ان انتهينا وافترقنا جلست مع نفسي لاحلل مادار بيننا، وارى هل كنت موفقا في الطرح ام لا، وللإنصاف يمكن القول إن هناك مشاكل وقضايا على الأراضي في بعض الدول المشابهة لليمن من حيث التركيبة السكانية ونظام الحكم كمصر مثلا لكنك عندما تبحث عن تلك المشاكل ترى أنها لايمكن أن تكون بحال من الأحوال كما هي عندنا.. هناك مافيا كبيرة يتزعمها قيادات سياسية أو رجال أعمال "مسنودين" يقومون ببيع وتمليك أراضٍ خاصة بالدولة ولايعتدون على أموال المواطنين وحقوقهم كما هو حاصل عندنا.. الفرق الذي بيننا وبينهم أن القضاء في مصر "مثلا" يقص المسمار وفور وصول القضية إليه يبحث المذنب عن مفر أو ملجأ لإصلاح وضعه وإعادة ما أخذه من أراضي الدولة وممتلكاتها.

بينما عندنا كانت الامور قبل الثورة ولم تتغير بعدها بل ربما وصلنا الى الاسوأ، فأي ضابط صغير أو شيخ حارة يستطيع أن يأخذ 4 مسلحين "عاطلين" ويذهب "يتعفرت" على عباد الله ويبسط على أراضيهم بالقوة، أو يدعي ملكيته لأرضية "باهرة" خصوصا إذا كانت لمغترب خارج الوطن أو من محافظات معينة تفتقد للقوة القبلية، وعند لجوء صاحب الأرض للقضاء كان لزاما عليه أن يغني "ياليل ما أطولك"، إذ أن "الباسط" سيبني وسيسكن أو يبيع؛ والقضية لازالت منظورة في المحكمة، نظرا لفقدان هيبة النظام والقانون تحت وطأة "صميل" القوة الغاشمة.

* طالب ثانوية عامة استنفر ووالده بحشد قواهم وطاقاتهم الكامنة ومعارفهم وأموالهم لتوظيفه في المرور أو الضرائب أو الجمارك فقط، وعندما تسأله عن أسباب ذلك يبدأ بسرد الحسبة التي يتقنها كثيرا كغيره من شباب اليمن، وهو أن الموظف في هذه المرافق يضمن دخلا يوميا "غير راتبه"، وعند توظيفه عسكري مرور مثلا تجده يطمح لان يكون موظفا في الإدارة العامة لا لأنه يُريد أن ينفع البلاد والعباد بل لان الدخل اليومي هناك أكثر فقط، وإذا كان طموحا لتولي الإدارة أو الوظائف العليا أو حتى الوزارة فلنفس الأسباب المادية فقط وليس غيرها..!!

* بعد ثورة الشباب السلمية تفاءلنا خيرا، وقلنا انها "باتنجلي" لكنها للاسف توحل اكثر واكثر، والهيئة العليا لمكافحة الفساد لم تعلن الى اليوم احالة فاسد كبير من الوزراء السابقين او اللاحقين الى النيابة على الاقل، حتى الاعلان السابق الذي كان قبل اربع سنوات تقريبا وكان بيضة الديك لهذه الهيئة باحالة بعض الوزراء الذين قيل بعد إسقاط أسمائهم من الحكومة انذاك انه تم إحالة ملفاتهم إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد، دون الإشارة إلى أسمائهم، أو حتى مناصبهم السابقة، وكان إعلانا فضفاضا لم يُفهم منه شيء غير التلويح بالعصا الغليظة كعادة النظام السابق في استخدام جميع تقارير الفساد سواء الصادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو غيرها في التهديد والوعيد والضغط باتجاه مُعين للشخص الذي حاول التغريد خارج السرب، فهل هناك أمل في أن نسمع قريبا عن إحالة الوزير الفلاني "وزير وزارة كذا" إلى المحاكمة، هنالك فقط سنستريح وسنعرف أن دولة النظام والقانون بدأت في اليمن..؟

* كنت قبل 4 سنوات من الان وتحديدا في ابريل 2009م قد نشرتُ مقالا تحت عنوان "اين الدولة" واوردت فيها تساؤلات كثيرة كانت اجاباتها جميعا موحدة انذاك، وهي غياب الدولة الحقيقية التي ننشدها كيمنيين ولازلنا نبحث عنها الى اليوم.

اليوم سأتساءل ببراءة، وسأعيد نفس التساؤلات وإن بشكل اخر وهو السؤال عن "اين الثورة" التي راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين والارامل والايتام، ووصلنا الى لاشيء كما يقول بعض هؤلاء..!

* احد الثائرين الذين خرجوا عن طاعة النظام السابق بعد جمعة الكرامة، وتم تعيينه في النظام الجديد مديرا لاحد اهم المرافق في البلاد "ركز" كل أنسابه وأصهوره واخوانهم وبعض المقربين منه وجلساء مقيله اليومي في مناصب هامة لم يكونوا ليوصلوا اليها "قانونا" إلا بعد عشرات السنين، ولازال يسعى لاستكمال امبراطوريته.. فأين الثورة؟

* احد الوزراء "الثائرين" الجدد؛ ينتمي الى احد الاحزاب السياسية، يقوم بعملية ممنهجة في توظيف اعضاء حزبه واحدا تلو الاخر ويتعامل مع الوزارة كأنها فيد، وحصة خاصة بحزبه اليساري العريق، وليست جزء من الدولة. اين الثورة؟

* احد الوزراء "المنشقين عن الحزب الحاكم السابق" لايفقه شيئا في وزارته ويعيث فيها فسادا، ولم يستطع ان يبدع شيئا جديدا سوى اتباع التوجيهات التي تأتيه من الاحزاب التي أعطته الوزارة، ومن بعض الشخصيات المدنية والعسكرية، فاين الثورة؟

* مجموعة مسلحة تابعة لشيخ قبلي تستبيح العاصمة صنعاء وتطلق الرصاص في الهواء على امتداد شارع الزبيري وسيارات النجدة لاتستطيع ان تحرك ساكنا.. اين الثورة؟

* مرافق شيخ يقتل مواطنا ويلوذ بالفرار ولا تستطيع الدولة القبض عليه.. أين الثورة؟

* متنفذ يقتل مواطنا في إب ويقطع الطريق العام ويخيف السبيل ولا احد يستطيع تقديمه للمحاكمة.. أين الثورة؟

* شيخ يضطهد عزلة كاملة ويهجرها إلى صنعاء منذ اكثر من خمس سنوات ولا احد يسأله لماذا، لا النظام السابق ولا الحالي.. أين الثورة؟

* مافيا الأراضي في حروب دائمة على مشارف صنعاء وقعقعة الرصاص تقض المضاجع وتقلق سكينة المجتمع من الجهات الأربع للعاصمة فأين الثورة؟

* متنفذ يبسط على أراضي أكثر من 60 مواطنا شمال صنعاء وكلهم ابناء الدولة وموظفيها لكنه اقوى منهم بالسلاح والبلطجة.. أين الثورة؟

* مستهتر يدهس عاملا بسيطا بسيارته في شارع تعز – شميلة ويهرب.. أين الثورة؟

* موظف كهرباء بسيط يعيث في الأرض فسادا إذا "حيرف" وخرج يدور حق القات، يفصل عشوائيا ويهنجم على المواطنين واذا خرجت الفاتورة مسددة طلب حق الاعادة والا لن يعيد الكهرباء رغم انه غلطان.. أين الثورة؟

* موظف ضرائب يبيع باسم الدولة ويشتري وينصب ويسرق ويبني الفلل الفخمة ولا احد يحاسبه او يسأله من اين لك هذا.. أين الثورة؟

* ضابط مرور يتعسف الناس بعد الساعة الواحدة ليلا بحجة السرعة الزائدة أو قطع الإشارة وفي قلب التحرير ولا احد يوقفه عند حده.. فأين الثورة؟.

* عسكري نجدة ينكل بأسرة كاملة على خلاف مع أسرته ويُجير الدورية التي يعمل بها وطاقمها "أصحابه" لخدمته شخصيا ولا احد يحاسبه.. أين الثورة؟

* مدير مرفق خدمي يبيع ويشتري في المناقصات ولا احد يتابعه أو يحاسبه رغم الثراء الفاحش الذي ظهر عليه فجأة والسيارة الصالون الجديدة اخر موديل والفيلا الجديدة التي يبنيها بالتوازي مع عمارة 9 دور..!!.. أين الثورة؟

* مدير مكتب رئيس مجلس ادارة يسير الامور كلها، ويظهر عليه الثراء الفاحش، ويتحكم بمفاصل المؤسسة ولااحد يجروء على محاسبته.. أين الثورة؟

* عصابات العاطلين أصبحت منتشرة بشكل كبير وبقي أن تفتح لها دكاكين رسمية للإعلان عن نشاطها جهارا ونهارا فأين الثورة؟

* دكتور في إحدى المستشفيات يرفض إجراء عملية طارئة لمريض يموت لأنه لم يستلم مستحقاته، ومستشفى تحجز مريضا تحت الاقامة الجبرية لانه لم يدفع بقية حسابه مع انه فقير متربة وهي تعرف ذلك.. أين الثورة؟

* مدير مدرسة يفرض على الطلاب مبالغ مالية لترميم المدرسة وبشكل شبه شهري وهو ارتزاق ونصب وسرقة علنية، وعندما اعترض احد اولياء الامور طرد الطالب ورفض ان يقبله في المدرسة ليكون هبرة لغيره.. أين الثورة؟

* مديرة مدرسة تهين بناتنا وتطالبهن بغسل الحمامات وكنس الطواريد لأنهن تأخرن عن طابور الصباح.. أين الثورة؟

* مسؤول متنفذ يدير مرفقا صحيا يشتري بقيمة المختبر سيارة جديدة له ولأسرته والمرفق يشكو التسيب المالي والاداري وطفح المجاري.. فأين الثورة؟

* مسؤول كبير يسدد جميع تلفوناته وموبايلات بناته وأولاده من المرفق الذي يديره ولايستطيع احد ان يسأله لماذا.. أين الثورة؟

أين الثورة.. أين الثورة.. أين الثورة.. هذه أشياء ربما صغيرة في نظر القارئ العزيز لكنها مؤشرات على غياب الدولة في الاساس، وغياب القيم التي قامت عليها الثورة لدى الجميع.. الوازع الأخلاقي انعدم، والضمير مات أو أخذ إجازة وأصبحنا في اليمن أشبه بالغابة، القوي يأكل الضعيف، والسمك الكبير يأكل السمك الصغير.. وبالبلدي الفصيح "من تعلّى هدش".. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي