إنه الهلع لا أكثر!

كتب
الأحد ، ١٢ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٦:١٧ مساءً

 

من المرات غير المسبوقة في تاريخ اليمن المعاصر أن يُلغى قرار جمهوري علناً، ويحاول البعض أن يخفي حقيقة مهمة جوهرها أن الرئيس عبد ربه منصور هادي، وإن كان صاحب القرار الأخير، إلا انه ليس من ذلك النوع المتسلط الذي يتدخل في مهام واختصاصات من هم دونه وظيفياً، فهو يثق في من أسند إليهم أعمالا في مؤسسة الرئاسة تحديدا.

كانت محاولات اختراق الدائرة المصغرة المحيطة بالرئيس هادي قد بدأت من وقت مبكر، ولم تكن الحملة التي شنت على سكرتيره الصحفي إلا احد عناوينها، وكذلك الغمز واللمز حول أولاده والمقربين منه.

كان احدهم، من جوقة الرئيس السابق، قد كتب مبرراً تفاقم الأزمة في الجنوب بأن المشكلة تكمن في أن الرئيس السابق اسند مهاما إدارية ومفصلية لشخصيات خذلته ولم تكن عند حجم المسئولية، بل انجرت إلى الفساد وتسببت في الغليان العام.

كثيرا ما يعمد بعض الأشخاص إلى قول أشياء يعملون، عندما تحين فرصتهم، على إنتاجها و تكرارها، إما بسذاجة أو عن سبق إصرار وترصد؛ ليكونوا هم أدوات الخذلان وصانعي المشكلات ليس لشخص الرئيس بل لعمق الجغرافيا والناس.

من المعلوم أن التسوية السياسية، التي فرضتها الأجندة الإقليمية والرعاية الدولية كانت تهدف أساسا، لإيقاف التغيير الثوري الذي تبلور في الشارع اليمني عقب اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية في تونس ومصر، مما كان سينعكس سلبا على لاعبين إقليميين ودوليين في اليمن، وسيفضي إلى تغيير في المعادلات والمصالح المتقاطعة والقوى والوكلاء المحليين الراعين لتلك المصالح إنْ لم يقض عليها، وعلى رأسها المصالح السعودية ونفوذها القبلي والسياسي.

أول خيوط التحول والثورة المضادة الفعلية خروج اللواء علي محسن في عملية انشقاق استباقية ترجح كفة التحول السياسي لا التغير الثوري، وتزيح حجراً وبعض الحصى من رأس الهرم السلطوي، مبقية على جوهره وأدواته وأغراضه كما هي، بل تزيد من تعميق فاعليتها وتظهر فاعلية كانت مستترة تحت إبط الحاكم السابق.

وكانت الحسابات تصب في خانة رئيس توافقي موافق على المطلق، قابل بدور لا يتعدى دور البديل المؤقت، وهو ما اشتغلت عليه آلة إعلامية، ولا زالت، تعود ملكيتها وإدارتها إلى اللواء المنظم وأطراف إسلامية ومصلحية معروفة، انصدمت كثيرا بالرئيس هادي، وحاولت كسره أكثر من مرة، ولم تخفِ غيرتها من شعبيته التي كانت تفاقمها قرارات جريئة ومحايدة، وتستغل التسوية السياسية لمصلحة وطن وشعب لا لمصلحة نخب وأطراف أُسقط في يدها.

ويبدو جليا أن من كانوا يروجون للنظام السابق، ويستقطبون له المناصرين في الشهور الأخيرة لما قبل الربيع العربي، ويحاولون خلق التأييد وتقليص دور المعارضة، ليس السياسية الحزبية الظاهرة الضعيفة والمخترقة، بل تلك الشعبية والجماهيرية الناضج حنقها ورفضها في الصدور يبدوا أنهم أدركوا الواقع الهش وتغير قواعد اللعبة مع الرئيس هادي، فبدت منهم محاولة القفز بشكل فردي إلى مربع تكوين مراكز ثقل شخصي داخلي يخولهم التسويق لذاواتهم كوكلاء جدد يملكون النفوذ والحجم والتجدد والسيطرة على العمق الاجتماعي لخدمة المشتري الإقليمي والدولي، وتشكيل زبونية سياسية جديدة تتجاوز اللواء العجوز والقوى التقليدية، وتوازي التغير الحاصل في العقلية والأجندة الحاكمة في الرياض، على الأقل، التي غيرت مؤخرا الكثير من أدواتها وأساليب تعاملها مع اليمن، الجغرافيا والناس، وجزء من التغير السعودي نتج عن رفض الرئيس هادي اشتراطات سعودية وإملاءات تضر بالمصالح الإستراتيجية لليمن مستقبلا.

تجهل القوى المُصَعَّدَة من مراكزها القديمة أن قيم معينة في المعادلة قد تغيرت تماما، وأولها الوعي الجمعي الذي تعددت مشاربه ومصادر معلوماته، وقدرته على التفاعل مع المعلومة والمشاركة فيها وفي صناعتها ونقدها وقبولها أو رفضها في عالم الفضاء المفتوح.

وقيمة أخرى أرادت طوال الشهور الماضية تمييعها من جهة وشراءَها من جهة ثانية، أو شقها وتفتيتها من جهة ثالثة، وهي القيمة الفتية للجمهور الفاعل على الساحة اليمنية، وهو جمهور الشباب وخاصة ذلك المتشرب بروح وطنية تقارن وتحلل وتنتقد وتملك عقلها وقرارها.

تعاظم المشكلات الآن، وصراع النخب الناتج عن هلع التغيير الحقيقي الحاصل، وتغير جذور المعادلات والولاءات، وغياب ضوابط حاكمة للمصالح الإستراتيجية المتكالب والمتحاصص عليها، سيزيد من هشاشتها بالتوازي مع ازدياد تماسك الوعي العام الباحث عن حقوقه الرئيسية ومصالحه الفضلى.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي