ثورة مرتدة

كتب
الأحد ، ٠١ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٩ صباحاً

 

 زكريا اكمالي

 الثورات الحقيقية لا تشيخ . مثل نجوم الكرة , يصنع الثوار الدهشة في أوقات ميؤوس منها . يصنعون الانجاز في اللحظات الأخيرة .في الدقائق التي تسبق صافرة الحكم .

فقد كثير من اليمنيين الأمل في قيام الثورة الشبابية , بعملية إصلاح حقيقية , وظن الأكثر منهم أن عمرها الافتراضي انتهى بمجرد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة , لكن الواقع يقول العكس : عندما تتحرك جامعة صنعاء من جديد , فذلك يعني اننا أمام " ثورة مرتدة" , ستباغت كل من هللوا لموت الثورة . ثورة ستقلب النتيجة , في اللحظات الضائعة , بشكل لا يتوقعه أحد .

ما جرى في حرم جامعة صنعاء , الأيام الخمس المنصرمة , شيء يبعث على التفاؤل , ويستحق الكثير من الثناء . عندما شاهدت طالبات وطلاب كليات الصيدلة والطب , وهم يهتفون بصوت واحد ضد الفساد , ويقودون مسيرة كبرى الى وزارة التعليم العالي , شعرت بتفاؤل حقيقي , وأدركت أن هذا الجيل , بمقدوره إعادة الاعتبار للثورة المسلوبة , وإحراز المزيد من النقاط الى رصيدها الفقير .

بتوقيع المبادرة الخليجية , شعر كبار اللصوص والفاسدين في النظام السابق , انهم أفلتوا من يد الشعب , وبإقرار الفضيحة المسماة " حصانة" , ظنوا أنهم قد اكتسبوا مناعة كافية , لصد أي موجات ثورية قادمة , وانهم سيعودون الينا بفسادهم , ويعيشون بيننا , لكن توقعاتهم تلك , في طريقها لجر أذيال الخيبة .

الثورات, رياضة روحية , واستمرار استغفال الشعب من قبل المؤتلفة حكومتهم , والتغاضي عن أهداف ثورة مكتملة ,حتى وان انتهت بتسوية , سيقود حتما الى ثورة مرتدة , وخاطفة, ستلتهم وتجرف كل ما يعترض طريقها من حواجز .

عندما قبل هذا الشعب العظيم بالتسوية السياسة , وانتخب رئيس جمهورية قادم من صفوف النظام السابق , لم يكن عاجزا عن إكمال نصر , كان في متناول اليد رغم كل ما تم تسويقه من عدم إمكانية الحسم , , بل وضع الساسة امام اختبار نوايا : هل هم جديرون بإتمام حلم أجيال .

حُلم الأجيال بيمن خالي من اللصوص , لا يمكن الاستخفاف به . يتوجب على شركاء الحكم أخذ ذلك بعين الاعتبار . و بتوجب عليهم أيضاً , رفع الجاهزية الى أعلى الدرجات , لأن قطار الثورة عاد الى مكانه الحقيقي : جامعة صنعاء .

يقول رؤوس الحكم أنهم فدائيين , وعليهم أن يعرفوا جيدا , أن كليات جامعات صنعاء , وتعز , تحوي عشرات الالاف من الفدائيين الذين لا يمكن استغفالهم , و التعالي على مطالبهم الحقيقية .

لا يريد طلاب جامعة صنعاء إرباك المبادرة الخليجية , ولا يمكن أن نصف انتفاضتهم الجديدة بأنها تندرج ضمن المكايدات الحزبية .عندما يصرخ طلاب كلية الصيدلة بأن كليتهم منذ تأسيسها , لم يديرها عميد متخصص , ويطالبون بعميد من وسطهم للمرة الاولى , هل يُعقل أن نصف ذلك بأنها ثورة كمالية ولا مبرر لها . الطلاب يريدون كنس الفساد من جامعتهم , ورحيل الفاسدين ,وهذا طلب ميسور , إذا نُظر بشجاعة من قبل حكومة الوفاق .

حتى اللحظة , كافة القرارات الجمهورية التي صدرت , خجولة , ولم تمس مكامن الفساد الذي أوجع دماغ اليمن 3 عقود , وعندما تنتفض الجامعات والمؤسسات , في ثورة مرتدة مباغتة , فمؤكد أنها ستضع أصحاب القرار أمام الامر الواقع , وستبصًرهم مكامن الوجع الصحيحة .

الشعب ما زال يريد . الشعب في انتظار قرارات تصحيحية جادة , تعيد الاعتبار للمؤسسات , وتكنس كل الأوبئة والأورام التي شوهت البلد .هذا الشعب لن يمل , ولن تموت عزيمته .

هناك أورام سرطانية بحاجة الى عمليات استئصال عاجلة , حتى نضمن سلامة الجسد اليمني ككل . رحيل الفاسدين من جامعة صنعاء , لا يحتاج الى قرار من الدول الدائمة العضوية يا حكومة الوفاق , بل يحتاج الى شجاعة , وإحساس تام بمسئولية أجيال ظلموا كثيرا من تعيين أغبياء في رأس مؤسساتهم التعليمية .

عودة الثورة الى حضنها الأم ,في جامعة صنعاء , ينبغي أن يكون جديدة لتوحد الشباب اليمني في مختلف المحافظات للمطالبة بتصحيح التعليم , ورحيل الفاسدين من كافة الجامعات .

الثورة المرتدة , يجب ان تنتهي بأحراز مزيد من الأهداف الثورية , التي تعيد الاعتبار لليمن , وتجيد المجد للثورة .الثورة المرتدة , مثل الهجمة المرتدة , قد تصنع هدف ذهبي لم يكن بالحسبان .

القضاء اليمني بحاجة الى عملية جراحة معقدة , وليس الى قرار جمهوري , يعيد تشكيل مجلس القضاء الأعلى , قبل يوم من " جمعة تصحيح القضاء " , وبنفس الأسماء التي اغتالت العدالة في اليمن طيلة عقود .

خضوع مجلس القضاء للتقاسم الحزبي والسياسي من أكبر الكبائر , ودليل دامغ على أن اليمن لن ينهض أبدا في ظل وجود قضاء , يتم تسييره من غرف الأحزاب .

على طرفي التوافق السياسي , الا يستخفوا بالناس أكثر , ويعوا جيدا , أن هناك مجالات لا يمكن ان تكون محل للصراعات السياسية البليدة . رحيل فاسد من صرح علمي أو قضائي , لا يعني استهداف , او كما تقول نغمتهم الغبية " إقصاء لكوادرنا " , بل إنقاذ لليمن من أشخاص سييء السمعة .

سيطربنا السياسيون بـ" هيكلة الجيش " , و" الحوار الوطني " , هذا مهام عليهم انجازها , وعلى الشعب , بكافة شرائحه, أن يخرج مجددا الى كافة الساحات والميادين للمطالبة بـ" تعليم حقيقي , قضاء نزيه , إعلام وطني مستقل " .

في هذه المؤسسات الثلاثة , لا مجال للمحاصصة الحزبية . ينبغي إشهار ميثاق شرف مهني , يلتزم فيه كل العاملين , بهذه الميادين , بخدمة اليمن فقط , لا الأحزاب . انتهى عصر الذل . ابتدأت الثورة المرتدة .

[email protected]

الحجر الصحفي في زمن الحوثي