فضفضة ثائرة(4)

كتب
الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٧ صباحاً


بقلم - سميه الغيلي :
في لحظة إصرار شلت هوان عاطفتها، استقبلت بحلمها الباهت فتحة الزمن، مخلفة وراءها قرية سلبتها نور الحرف والمعرفة " الذي من شأنه القدح في أنوثتها "، بهذا برر والدها موقفه الواهن وهو يبادلها به كتاية ومعقرة وبراد شاي دكه همها الذي تشتت إلى هموم وطن مصطبغة به.
وفي مهد حلمها الذي ما إن بدا ينتصر حتى طفق يتلاشى أمام سيارة لاذت بالفرار بعد أن أوقعتها مثقلة الكسور لتحجب عنها مسرحا تختطف فيه أنفاس ذويها بمخلفات طائرة ترفرف بغير علم بلدها، جاهلة حينها حقيقة زمن ترى فيه الكثير من تلك الطائرات حتى بعد أن أخلصت صلاتها بالنصر للثورة.
وبعد أن أنكرت جدتي عاطرة مصيرها في رحلتها بين مستشفيات لا إنسانية لها إلا بكفاءة جيب المريض ـ ولا شفاء من دوائها يرتقب، وأخرى عطلت أعمالها لعوزها عن توفير أبسط المقومات الصحية واكتفت بمسماها الحكومي يعرج سماءها، فيما المريض يرفل بأوجاعه ينظر خلو سرير إلى حين عودة تقريره الطبي المهاجر ـ بسلامته ـ من المشافي الأخرى. هداها فزعها لركوب الجو... .
وفي بلد جهلها إلا من هموم وطنها التي ما فتئت تتراكم بعضها فوق بعض بعد أن تخلى ذووها عنها دونما اكتراث، غدت عيناها تتعقب نازلا في أحد السوبرات ماركت لشراء ملابس بعد أن انخلع من لهجته وتقمص دور الأبكم في رفع المهانة عنه، فراح يذرو الأرض نفاياتٍ ليخفف عن حنقه... . وفيما أذناها تلتقط زفرات من أعجزته الحيل وقد تنصل وطنه عنه، فيما غربته تدحرجه .. سرحت بذاكرتها الغائرة بين ألوان طيف انفلجت من شعر يكسوه الدهن وكأنه مستخلص منه إلى امرأة شاء القدر إلا أن تختضب بهمها وقد ألبسها الزمن كرها داءه العضال فبعد أن أفاقت على واقع حفيدها الذي خسفت أمه يوم شروقه المكسف ليقعا ضحيتي ولادة مشافي أغفلت مهنيتها إلا من واسطة، فجعت بمرض أصاب ولدها إثر دم نقل إليه حال بينه وبين فيزة باع كل ما يملك في سبيل الحصول عليها..
وفيما أغلقت ذاكرتها، فتح الواقع عينيها عنوة على شاب "بقع الزيت على ثوبه يسترها التراب"، وكأنه لم يكن ذلك الشاب الذي بدا عليه الترف وهو في كامل أبهته وأناقته وقد استعار الجلوس إلى جوارها ليسكت صوت الذعر الذي أسكنه إياه طائرة ــ منهقلة ـ يخشى سقوطها في أي لحظة؛ وكأنه ليس من صفق بخيلاء لمقولتها احتذاء البشمق المهرقط عندنا نسميه سعودة، وهي ترد على السعودي عنجهيته: (احنا عنا الطالب الغبي نسميه يماني(.
أدركت جدتي عاطرة أن الذل يطاردنا في غربتنا؛ لأنه في الوطن سكن لنا ..فهرعت لنداء الثورة، وصلت بالنصر وبجسد تسكنه الأحلام والأحلام البائسة التي ما زالت مسافرة في فضاءات الأذهان.
جاء خريف ما بعد الثورة لتخالف فيه التكنولوجيا وما ألفتها بعد، فافتقار شركة الاتصالات إلى سلك أبعد عنها فكرة اقتناء وسيلة اتصال قديمة.. فضلا عن انترنت ، وإلى أن تملك سلكا سيكون أهالي خزيمة قد فرغوا من احتفالهم بزيارة تلفاز جدتي عاطرة لهم بعد أن غسلته بالماء والبرد لمهزلة اعلام ألمت به، حين منح الريادة قوماً حياؤهم ـ اسم الله عليه ـ من وجود نساء أو أشباههن في طليعة ركب ممتلئ السلاح والمواد المحظورة حال دون انجازهم واجبهم على أكمله، فيما منحهم ظفرهم بآخره طلاسم ترفع بذلك أخبارا هبطت مضامينها.
وبينما هي مستسلمة تصرعها المشاعر، حملها على زيادة امتعاظها طفل يصارع بجسده الشاحب السقوط بعد أن رغبت أمه بثمن كرسي الباص عن استقراره. (شقاق الأبناء يزرعه غالبا جفاء الآباء.. ابتسمي لليوم الذي يحط لك غرفة جنب موقف سيارته) همست في أذن أمه وهي تنظر الشارع الرحيم يجود بأرصفته مأوىً لمن استجار به من رمضاء وطن بخل عليهم بأساسيات حياة بدائية.
جدتي عاطرة تخيرت من الأحياء أرقاها علها تنيخ فيه أثقالها، ولم يخطر ببالها أنها ستحل نزيلة فرقاء سياسة ومذاهب، طلقات رصاصهم الليلي ستفض مضجع حلمها، فانتهى بها المطاف لتكنس بأملها هموما بعثرت على قارعة الحوار.. تتعهد سقاء بارقات الأمل منتظرة أن تمطرها السماء بحلم أودعته إياها لتنعم به واقعا تسكنه بعد أن سكنها سنوات طوال..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جدتي عاطرة شخصية من وهم أجدادي ، ألبستها الأحداثُ جسدَ الحقيقة ، فقابلت أشخاصا من واقع الحياة وقرأت آلام وطن.
جدتي عاطرة تستمد ألق عمرها من أحلامنا، فهي ذاكرة الماضي الهائم في مستقبل يخصبه الخيال...

الحجر الصحفي في زمن الحوثي