مشاريع موتٍ..مؤجلة

كتب
الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٢٤ صباحاً

بقلم- منال الأديمي :

تختلف الحكايات , والتفاصيل , والأسباب, وفي النهاية كلنا على ما يبدو مشاريع موتٍ مؤجلة في بلد يفتقد الأمن الذي من المفترض توفيره من الجهات الرسمية والمؤسسات الحكومية كما يفتقد للوعي والتعقل من الجانب الشعبي فنحن اليوم إما ان نكون عرضة للموت بإهمال وتقصير رسمي أو قلة عقل على المستوى الشعبي .
لا يزال شريط اخبارنا المحلية على قنوات التلفزة يحمل لنا كل يوم بل وعلى مدار الساعة أخبار قتل وموت متفرقة تعم كل المحافظات وبأسباب مختلفة ومتطرفة أحياناً وبعض من تلك الأسباب يدعو للضحك والتندر حقاً (شر البلية ما يضحك ).
في يوم الجمعة الماضي لفت انتباهي خبر مأساة حدثت بمنطقة الحيمة الخارجية وكان عنوان الخبر ..كالتالي مقتل خمسة أشخاص وجرح ثمانية في خلاف على حمار ..!! أي حمار هذا الذي من أجله تطير رؤوس خمسة رجال , وترمل نساء , وتسقط شوارب جريحة الجسد والروح لاحقاً في حال وقفت فيما بعد للتفكير ملياً في سبب ذاك الخلاف الذي تخلى فيه بنو البشر عن عقولهم وحكم فيها الحمار وحده عقله فكان الناجي الوحيد في تلك المجزرة .
في تعز أيضا تم العثور على جثة محروقة مرمية على قارعة الطريق تبين فيما بعد ان عليها أيضاً آثار طعنات عدة وقبلها قتل مهمش سادت بعد مقتله المدينة مظاهر قطع طريق وتعرض بعض المارة للأذى والسب من المهمشين الغاضبين ولا تعليق من الجانب الأمني.
في رداع البيضاء تقتل امرأة شاءت الأقدار لها ان تكون في شارع عام اصبح لاحقاً مكاناً لمعركة حامية لمسلحين يرغبون بإغلاق المحلات العامة هناك وبالقوة لم أبحث في أسباب رغبتهم فرض الإغلاق إذ تعددت الحجج والذرائع والموت واحد ما يهمني هو أن تلك المسكينة خسرت حياتها دون ذنب برصاص الجُبن والظلم ويُتم ّ أطفالها بأخلاق الفوضى والجنون السائدة هذه الايام .
في الضالع و أب وصنعاء وعدن ولحج والمكلا لا تختلف الاخبار ولا جديد إلا اخبار القتل والموت العمد وهذه ليست النهاية فلدينا ايضا قتل الاهمال والتسيب والاستهتار بأرواح العامة.
منذ مدة بسيطة يفارق طفل الحياة أثناء لعبة في الشارع بوقوع كابل كهرباء ضغط عال عليه فينهي لعبته وللأبد .. حوادث الغرق هي الأخرى لا تتوقف ونسمع بها بين الفينة والأخرى في رحلات عائلية تنتهي بمأساة وحزن وذكريات تبقى كالندوب التى لا تُمحى .
في سواحل تفتقر إلى أبسط إجراءات السلامة كتنبيه الزائرين (بلافتات ) تحذير للأماكن غير المسموح فيها بالسباحة ولا أظنها ستؤثر كثيراً على ميزانية الدولة كما من المفترض توفير غواصين وفرق تدخل انقاذ سريع كما هو الحال في بقية بلدان العالم .
نحن في الحقيقة نسبح في هذه البلاد بر وبحر وجو بالبركة ودعاء الوالدين في الشهر المنصرم فقط غرق اكثر من اربعة شباب في رحلات مختلفة في مدينة الحديدة وآخر تلك الرحلات المنتهية بفجائع ومآس أيضاً هي غــــــرق الشاب هيثم وزوجته ..بعد مرور أقل من شهر من زواجهم حين اختاروا سد كمران للتنزه ذاك السد الذي ينتهى مصير كل من يذهب اليه بالغرق ومع ذلك لم تتخذ السلطات إجراءات تنبيه وتوعية للمواطنين بمخاطر النزول الى ذلك السد والتقصير هنا برأي لا يقع على عاتق الدولة فقط بل في الناس أنفسهم كيف لم يخطر في بال أهل قرية السد مثلا وضع لوحة تنبيه للزائرين كعمل إنساني لن يكلفهم الكثير فإماطة الأذى عن الطريق صدقة لم يكن غرقهم المأساة الوحيدة فقط في هذا الحادث إذ حدثت مأساة اخلاقية بعد غرقهم وهي نشر الفيديو الذي صوره الزوجان كذكرى أخيرة قبل الغرق ولا اظن الزوج الغريق كان يرغب بذلك .
حتى تعاملنا الجائر مع البيئة يقربنا من نهايات كارثية ومرضية خطيرة ومازلنا مصرين على المضي قدماً نحو حتفنا رغم دق ناقوس الخطر من بعض الجهات لكن ليس بالشكل المطلوب مع تسيب وغياب رسمي .
كل ما حولنا اليوم يحولنا وللأسف الى مشاريع موت مؤجلة قد تقضي بنزاع أو خلاف تافه يحل بقوة السلاح أو نقضي لإهمال وتسيب .
حقيقة المسؤولية والتقصير اليوم ليس حكومياً ورسمياً وحسب لكن مشاركة منا أيضاً وهو نتاج طبيعي لغياب الوعي والإحساس بالمسؤولية واندثار قيم أخلاقية وإنسانية كثيرة من حياتنا اليومية كالصبر والحلم والرحمة وظهور الغضب والسب والأذى والقسوة كبدائل عنها يجعلنا جميعاً ندفع الثمن ولكي نتجاوز ذلك ينبغي علينا مواجهة الحقيقة والاعتراف أننا مشاركون في هذه الفوضى والعبث وما آلت إليه الأمور دون تملص وذرائع فالمسؤولية مشتركة والضرر عام .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي