السيكوباتي اللطيف!!

كتب
الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٣:١٠ صباحاً

 

ثمة إقبال ملفت للنظر من جمهور برامج التنمية البشرية على تعلم فنون الفراسة , وفهم أنماط الناس وامتلاك القدرة على كشف معاني إيماءتهم , والغوص في دخيلتهم , ورفع الحجب عن مستورهم ..

ترى ما هي الدوافع الحقيقية وراء  شغف البعض بهذه  الفنون ؟!

وهل هي  من مستجدات العصر الحديث أم أن لها أصلا في القدم؟

الواقع أن الإنسان في كل زمان ومكان ظل يتفرس في طباع البشر محاولا تجنب الوقوع في شراك الأشرار..

 فإنسان العصر القديم كان يعرف هذا الفن , والذي كان حينها لا يعدو كونه خبرات متراكمة للبشرية , وكان طالبه يتحصل عليه بسهولة من كبار القوم ممن له تجربة طويلة في ممارسة هذه المهارة , أو ممن  له خبرة في التعامل مع أنماط مختلفة من البشر.

 وحتى من ليس له باع طويل في علم الفراسة و قدراته العقلية متوسطة في جانب الذكاء الاجتماعي كان يسهل عليه نيل طرف منه , حيث تعينه البيئة البسيطة وهدوء البال , وفراغ الذهن  من المشتتات على تحصيل قدر لا بأس به  من هذه المهارة في فهم النفسيات وأنماط الناس , ومما يجعل الأمر أكثر يسرا بساطة التركيبة النفسية لإنسان العصر القديم , سواء قبل البعثة أم بعدها حيث كانت الفطرة مازالت سليمة في الغالب , وبواعث الشرور محدودة ..

كم كان عيشهم سهلا !!

ومسكين إنسان هذا الزمن المعقد التركيبة !!

عقد متشعبة ومتنوعة بقدر تنوع وتعقد الحياة من حوله , وكبيرة

بحجم التشويش الحاصل من ضجيج الحياة المدنية  وكم الشرور المستحدثة في زمن المادة وسعار الشهوات والتكالب على المتعة وطلب تحصيلها بشتى السبل ...

اغتربت الأرواح عن فطرتها البسيطة السالمة من الشوائب  , وتعددت الأنماط بشكل مربك !!

ولتحصيل  فراسة جيدة لابد لك أن تصحب الكثير من البشر , وتمتحن ظروف شتى , متباينة , ولابد أن تمحصك التجارب , وتقلب ناظريك وفكرك مليا  في مقروء الكون المتحرك والمسطر  لتدرك بعض خفايا أنفس البشر من حولك كيلا تقع يوما فريسة لوحش متخف, قابع في أعماق أحدهم  والذي قد يظهر تقوى وأدب وتهذيب وخلق حسن ..

يصف (د.جوزيف دان) خبير في علم النفس في كتابه (المزعجون من الناس ) شخصية (السيكوباتي) _ أي المجرم المحترف _ بشكل مرح فيؤكد أنه  ليس بالضرورة أن يبدو شرسا قميئا مشجوج الجبين , بل في الغالب يظهر  كشخص مهذب , لطيف , آسر , عذب الكلام , أنيق الهندام ..يقترب منك بهدوء , ويشعرك بأنه شخص يستحق الاحترام وفي لحظة غفلة منك يوجه لك الضربة القاضية , ثم يخرج من الموقف برمته كما تخرج الشعرة من العجين , وينسل من أمامك تاركا إياك مندهشا مشلول الأركان , وقد تحتاج لزمن حتى تستوعب كيف أن هذا الشخص اللطيف تحول فجأة لمسخ مرعب , وكيف تمكّن من خداعك بهذه السهولة ؟!!

بعدها ترجع باللوم على نفسك وتتهم عقلك بالغباء , وتتهم قلبك بالغفلة والسذاجة , وتنزوي في ركن قصي تلعق جرحك وتأسف على ذهاب الوفاء وخبو الفضيلة ..

وقد تسقط صريعا للأمراض النفسية إذا وجهت لك ضربة قاصمة

 ممن كنت قد وثقت به للغاية ومنحته حبك ووفائك ..

صورة تتكرر في زماننا العجيب , زمن لا يمكنا أن ندرك فيه بسهولة حجم الخبث الذي يخبئه من يقف أمامنا في أعماقه !!

عليك أن تتصل بالذي في السماء جيدا ليهبك من نوره فرقانا تميز به الصالح من الطالح , فتجتنب أمثال هؤلاء تماما ,  أو تحذرهم أشد الحذر إن تحتم عليك التعامل معهم .

أرهف حسك , وأصغ جيدا لتحذيرات قلبك , فقلب المؤمن دليله , ولا تصدق المظاهر الكاذبة والعبارات المهذبة وادعاء التدين والصلاح ... ابق حذرا قدر ما تستطيع لتسلم من الأذى .

ومهما حضرت من دورات في أنماط البشر , ومهما قرأت من كتب لا تحاول أن تجرب معارفك وتتأكد من معلوماتك , احتفظ دوما بمسافة كافية بينك وبين البشر , لا تقترب كثيرا لأنك ستتلوث حتما برذاذ سواد بعضهم , وقد يجرونك لوهلة لمستنقعاتهم الآسنة , وستشتم رائحة العفن الداخلي الخفي , وتتقيأ من شدة القرف ممن حسبتهم بادي الأمر  رمزا للعفة !!!

وكم أنت محظوظ إن تمكنت من الهروب والابتعاد في الوقت المناسب!!

وأما  إن كان قد أصابك منهم ضرر بالفعل فلا تسقط صريع الألام النفسية , بل قف مزهوا بذاتك النقية , ليس عيبا فيك تصديقك لهم ووثوقك بهم بل العيب فيهم ,المرض مستشر في وجدانهم ,خدعوك بخبث مذموم , تنفس بعمق وانظر مليا  لنفسك في المرآة  .. ظاهرك يشبه باطنك , أنت جميل وما فعلوه زادهم قبحا وزادك خبرة..

احمد الله انك محتفظ ببراءتك وسريرتك النقية وفطرتك السليمة واحذر الوقوع بين مخالب  سيكوباتي لطيف مجددا !

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي