الهرم الثلاثي المقدس

كتب
الثلاثاء ، ٠٩ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١١:٥٤ مساءً

 

اعتدَّ التدوين الأحادي المركزي الأوروبي بذلك المفهوم المُكرَّس حول ماهية الحضارة، انطلاقاً من التنوير النهضوي للقرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد .. يوم أن ازدهرت مدن الجنوب الأوروبي بالتجارة والمعامل الحرفية والفنون المعمارية، وبدت كما لو أنها الوريث الشرعي لتراكمات ما قبل تاريخ النهضة، ورغماً عن تغوُّل كنيسة محاكم الغفران القروسطية التي نصبت المشانق والمحارق للعلماء والمفكرين. 

تلك النهضة المعرفية الفنية الوارثة للحضارة الإغريقية الهيلينية، بالترافق مع الأفق البيزنطي الروماني، شكَّلت مُقدمة ضرورية لمزيد من ازدهار الموسوعية المعرفية، التي أنجزت ملحمة المبارزة الجدلية الفلسفية بين الميتافيزيكا الدينية والمنطق الديالكتيكي المادي، المُتَّصل جبراً بالقوانين الوضعية، والفصل الإجرائي بين الدين والدولة، وحتَّى العلمانية الأكثر تقطيراً واتصالاً بتركيبة الإنسان عقلاً ووجوداً. وأخيراً وليس آخراً سيادة البرهان المادي، انطلاقاً من الجبر الرياضي الذي به تُقاس الحقائق المادية، حتى أصبح البرهان المادي ركن الأركان في تفسير الظواهر والنظر للموجودات، مما تجلَّى لاحقاً في كامل الملحمة الحياتية الأوروبية للقرون التي تلت القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين. 

 تلك المحطات حددت مفهوم الحضارة وفق التصور الذي صاغته المركزية الأوروبية نيابة عن كل العالم، وهكذا أصبحت التواريخ المغايرة لهذا الهرم (الأوروبي المُقدَّس) مجرد وعاء للهمجية، وكان هذا التعميم الظالم مُنطلقاً لتبرير (تحرير المُتخلِّفين الهَمَج) مما هم فيه، وحتى القناعة بضرورة إلحاقهم بركب الحضارة التي لا يعرفونها. 

المفارقة الكبرى في هذا المفهوم المخاتل أن التنويريين النهضويين في القرون الوسطى مازجوا بين التطلع المؤكد لغد أفضل، والمشانق المنصوبة لكل من هب ودب، بل إنهم كانوا المُمهدين الكبار للعنف المقدس الذي أنتج حروب الموت والدمار الدينية والقومية اللاحقة. 

 

[email protected] 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي