البيض عارياً!!

كتب
الأحد ، ١٠ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٥٥ صباحاً

 

 

من يعرفون علي سالم البيض واطلعوا على المقال الذي نشرته عدد من المواقع الجنوبية الأحد الفائت باسم ياسر زيد عبدالله, الصحفي في مكتب البيض, لابد وأنهم الذين يتفقون على أن من كتب ذلك المقال المطول الذي كرس في معظمه للهجوم على أبرز القيادات الجنوبية والتحامل عليها واتهامها بالعمالة والتآمر والخداع, هو على الأرجح علي سالم البيض نفسه ويستدلون على ذلك بالألفاظ والمصطلحات المستخدمة في ذلك المقال الذي جاء بعنوان (وجيه لا تعرف الحب.. أساطين التآمر وتاريخ ملطخ بالسواد) وهي ألفاظ عادة ما يرددها البيض في أحاديثه ولقاءاته الصحفية.. 

وسواء كان الكاتب لذلك المقال الهجومي علي سالم البيض أو مكتبه الصحفي, فإنه في كل الحالات قد جاء معبراً عن البيض الذي أراد ومن خلاله أن يستبق لقاء دبي الذي سيجمع أكثر من 25 شخصية من القيادات الجنوبية بمبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر, بهدف التقليل من أهمية هذا اللقاء والنتائج التي سيخرج بها وذلك بعد أن شعر البيض أن أبناء المحافظات الجنوبية صاروا يضيقون بمسلكه الأرعن والذي كان سبباً في كثير من الكوارث التي عانى منها اليمن قبل وبعد الوحدة وأن الجميع قد سئموا مغامرات البيض الذي يدور ومنذ محاولته الانفصالية الأولى عام 1994م في حلقة مفرغة لا تتجاوز حدودها المزايدات الخطابية التي يمارس من خلالها المناورة والابتزاز ومحاولة الظهور بمظهر الزعيم الجنوبي الأوحد القادر على الدخول في مواجهة مكشوفة مع مشروع الوحدة, لاعتقاده أنه من كان صاحب الدور الأبرز في التوصل إلى هذا المشروع عام 1990م. 

وفي كل الأحوال فإن ما ورد في ذلك المقال الذي عنف بشدة المشاركين في لقاء دبي وعلى رأسهم على ناصر محمد وأبو بكر العطاس وسالم صالح محمد وعبدالرحمن الجفري وعبدالله الأصنج, وقال إنهم العائدون من المقبرة ليرقصوا على جثث الشهداء الأبرار, إنما هو الذي يعبر في الغالب عن حالة من الارتباك الذهني وتفكير مغرق في الأوهام والأحلام الناعسة والإسقاط الذي بات يمارسه البيض تجاه كل معترض أو مخالف أو مختلف معه, بعد أن أحس الرجل ببوادر الأفول تلاحقه وانه قارب على تشييع جنازة تاريخه السياسي بكل ما حمله ذلك التاريخ من مثالب وإخفاقات وأخطاء وانفعالات ومغامرات ومؤامرات وانتهازية صارخة استهدفت أقرب المقربين إليه على الصعيدين السياسي والحياتي, فقد وصف علي ناصر بالمتآمر الطامح لرئاسة اليمن وسخر من العطاس وقال إن مواقفه تأتي حسب الطلب وإنه رفيق متخبط, كما هاجم الجفري وسالم صالح ونعتهم بصفات لا تصدر سوى عن شخصية متأزمة.. 

وأياً كان الهدف من وراء الشتائم التي وجهت للقيادات الجنوبية في ذلك المقال, فإن البيض, سواء أرسل ممثلاً عنه إلى لقاء دبي أو لم يرسل ووافق على المشاركة في مؤتمر الحوار أو لم يوافق, لم يعد بمقدوره بعد اليوم تقديم نفسه للآخرين من كونه مازال يمثل رقماً مهماً في المعادلة الوطنية, أو انه الذي يستند إلى قاعدة جماهيرية عريضة تخول له الحديث باسم الجنوب, ناهيك عن تقمص دور الوصاية على أبنائه بعد أن سقطت آخر أوراق التوت التي كانت تحجب سوءاته وظهر على حقيقته أمام كل من ظل يغرر بهم في الداخل والخارج. 

لقد استوقفتني بعض العبارات لشخصية جنوبية على صفحة الفيس بوك والتي قال فيها: لو افترضنا أن من سيشاركون من القيادات الجنوبية في لقاء دبي هم مجموعة من العملاء والمتآمرين كما وصفهم علي سالم البيض أو مكتبه الصحفي, فإن الأحرى بنا أن نعود أدراجنا إلى الوراء ونطرق أبواب التاريخ ونقلب صفحاته ونضع أصابعنا على من ينبغي أن ننعته (بالعميل) والذي تنسب له جميع مواطن الدسائس والمؤامرات والمكائد والفتن واحتراب اليمنيين فيما بينهم, وكذا من يتاجر اليوم بالقضية الجنوبية ويتباهى في وسائل الإعلام باستلام الأموال من طرف إقليمي لغرض الإنفاق على أبناء شعبه الذين لا يرجون منه أكثر من التوقف عن الارتزاق باسمهم. 

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ذلك: إلى متى سيظل البيض غارقاً في صبيانيته وطيشه؟ ومتى يكبر هذا الرجل ويخرج من الكهف الذي يعشش في ظلمته؟ ومتى يمكن له أن يشفى من غليل أحقاده وعقده النفسية وجهالته؟ بل وإلى متى سيبقى جاحداً لوطنه أن كان يؤمن بأن له وطناً؟, ألم يكفه ما تسبب به من خراب ودمار وما أشعله من حروب وحرائق في هذا الوطن؟, أليس هو من أحاط الشطر الجنوبي قبل الوحدة بجدار عازل من كل الجهات باستثناء بوابة الشمال التي بقيت مفتوحة أمام نزوح الآلاف من المواطنين هرباً من التصفيات والسحل وغياهب السجون؟, أليس علي سالم البيض من تسبب في مجزرة 13 يناير عام 1986م والتي راح ضحيتها أكثر من 15 ألفاً تم تصفيتهم بدم بارد؟, الم يكن علي سالم البيض الذي يتبنى اليوم مشروع (فك الارتباط) وإعادة تمزيق اليمن هو نفسه علي سالم البيض الذي أصر على التعجيل بإعلان الوحدة في 22 مايو 1990م وقبل الموعد المقرر لهذا الإعلان بستة أشهر وهو ذاته من ظهر علينا بعد ثلاثة أعوام ليقول انه قد خدع من قبل علي عبدالله صالح وصدام حسين عندما جعلاه يوقع على اتفاقية الوحدة من دون إدراك منه بعواقب ذلك الفخ؟.. مع أن الحقيقة انه قد هرب من الوحدة بعد أن وصلت الأوضاع في الشطر الجنوبي إلى حالة من الانهيار السياسي والاقتصادي وهو ما كشف عنه الكاتب العراقي علي الصراف في كتابه (اليمن الجنوبي- الحياة السياسية.. من الاستعمار إلى الوحدة) الصادر عام 1992م والذي أشار إلى أن اليمن الجنوبي قد دخل الوحدة في لحظة كان فيها غير قادر على مواصلة الحياة ككيان مستقل بعد أن توقفت المساعدات التي كانت تأتيه من الاتحاد السوفيتي وأغلقت أمامه كل الأبواب ولم يجد أمامه سوى باب الوحدة مفتوحاً, فسارع إلى الدخول من هذا الباب الذي وفر على قيادته عناء كانوا في غنى عنه أصلاً.. وتلك حقيقة أكدت عليها أيضاً الموسوعة البريطانية التي أشارت إلى أن العجز في الموازنة في الشطر الجنوبي بعد عام 1988م وصل إلى نسبة عالية تتجاوز حدود المعقول, كما أن حجم المديونية الخارجية كان قد اقترب من 3 مليارات دولار. 

وكل ذلك يؤكد على أن البيض قد دخل الوحدة مضطراً وأنها كانت بالنسبة له مجرد محطة مؤقتة يمكن له مغادرتها في أية لحظة وهو ما ظهر في تصرفاته ومواقفه التصعيدية التي أفرزت حرب صيف 1994م وإعلانه الانفصال في 21 مايو من نفس العام, ولأن تلك المحاولة لم تنجح فإنه الذي استغل بعض الأخطاء والممارسات غير المسئولة التي حدثت في الجنوب ليعيد من جديد إحياء مشروع الانفصال دون أن يعتبر من الفشل الذريع الذي مني به في المحاولة السابقة ودون أن يعي أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء, لكونه من استبدت به الحماقة التي ضرب داؤها فيه حتى النخاع. 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي