السبتمبري عثمان أبو ماهر مات مقهوراً

كتب
الجمعة ، ٠٨ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٠٢ صباحاً


بقلم : عارف الدوش -

هكذا نحن على الدوام وفي مختلف المراحل وجيلاً بعد جيل لا نصرخ ولا نرفع الصوت بالشكوى ولا نبكي وندبج الصفحات بعبارات الرثاء أو بعبارات الإشادة والتبجيل لرموزنا الوطنية إلا بعد أن يرحلوا من دنيانا الفانية، تعودنا على مثل هذا السلوك والبكائيات وتسويد الصفحات بعبارات وفقرات البكاء والثناء والشكوى، ونادراً ما تفتقت أذهاننا عن عبقريات وتفتحت قرائحنا بالبديع والبيان لنكرم رموزنا الوطنية وهم أحياء، وقبل ذلك نتابع ما هم عليه من حياة ونتلمس معاناتهم وهمومهم بعد أن يحالوا إلى المعاش، ما أتعس هذه البلاد وقياداتها وحكوماتها المتعاقبة وكتابها ومثقفيها وتجارها وعسكرها عندما يرون ويسمعون بالظلم والقهر والجحود والنكران وما يلاقيه العديد من رموزنا الوطنية وكتابنا ومثقفينا ومبدعينا في حياتهم وقبل أن يرحلوا إلى جوار ربهم وهم صامتون أو متواطئون وقابلون بالفتات.
> عثمان أبو ماهر الذي تلقى تعليماً فقهياً في بداية حياته في مكة المكرمة ثم تعليماً عسكرية أكاديمياً في موسكو تخصص مدرعات وتقلد مناصب عسكرياً أبرزها قائد محور حرض ونائب قائد لواء حجة عقب اندلاع ثورة سبتمبر، ثم أركان حرب لواء العروبة وكقائد عسكري وصل إلى رتبة لواء في الجيش كان يمكنه إن يؤمن حياته ويصبح مثل الكثير من الأثرياء الذين تقلدوا المناصب العسكرية وكانوا لا شيء يذكر يبحثون عن" الكدم" أو يسرقونها - لا فرق - ليبيعونها بحق"القات أو تذكرة السينما في تعز"لكنه أحيل إلى التقاعد براتب تقاعدي35 ألف ريال ومات مقهوراً من جحود الوطن وإهمال ناسه وهو من لبى نداء الوطن بعد اندلاع الثورة اليمنية في الـ26 من سبتمبر62م وطارد "البدر وفلول الإمامة" فعرفته جبال حجة ورمال تهامة وحرض ورفض في أحلك الظروف أن يكون مدعياً عاماً بعد أحداث أغسطس68م المشئومة ليحاكم ضباطاً من زملائه كما تحدث لقناة السعيدة قبيل وفاته بل رفض أن يركع ويصبح إمّعة فعاش مرفوع الرأس وصاحب موقف فتم إزاحته من الجيش إلى القطاع المدني.
> لقد سمعت السبتمبري والشاعر والأديب عثمان أبو ماهر قبل وفاته وهو يتحدث في برنامج توثيقي لقناة السعيدة ومن سمعه معي سيدرك كم هو القهر والجحود والنكران متأصل فينا ويا ليتني لم أسمع، فهذا الرجل السبتمبري العصامي الشاعر والأديب الوطني الكبير مات مقهوراً وعاش ظروفاً صعبة عقب إحالته للتقاعد براتب 35 الف ريال، وظل يعاني من ظروف صعبة قالها بفمه لقناة السعيدة والحزن والألم يعصران قلبه " إني اعاني من ظروف صعبة جداً ولكني صابر محتسب ولن أصرخ ولن أشكو لأن الشكوى لغير الله مذلة".
> أكتب هذا وأنا في غاية الحزن وبعد أن سمعت صرخة السبتمبري القائد والأديب الشاعر عثمان أبو ماهر قبل أن يرحل إلى بارئه مرفوع الرأس راضياً عن نفسه وأمام حالات الظلم والجحود والنكران التي تتكرر مع مبدعينا ومثقفينا ورموزنا الوطنية ليس لنا نحن الكتاب والصحفيين غير أن نذرف الدموع ونكتب ونناشد برفع الظلم عن رموزنا الوطنية، بالله عليكم كيف كان يعيش عثمان أبو ماهر براتب 35 الف ريال؟!! "يا عيبااااه" وهناك من لم يقدموا للوطن واحد في المائة مما قدمه الرجل نراهم قد اكتنزوا الذهب بالقاطرات ناهيك عن الأرصدة في بنوك الغرب والشرق والقصور والشركات وامتلكوا البر والبحر، ولا تقولوا أنني أبالغ في هذا فقد سمعت حكاية قاطرات الذهب من فم وزير المغتربين مجاهد القهالي في حديث لقناة السعيدة، سمعته يقول: إن هناك من نقل الذهب بالقاطرات" وهؤلاء هم "القطط السمان " وأصحاب الكروش المنتفخة بالمال الحرام من ثروات هذا الشعب الغلبان كلما ثار عليهم تآمروا على ثورته وأفرغوها من مضمونها.
> عثمان أبو ماهر صرخ صرخته المدوية ورحل مقهوراً بحسرته وقبله عمنا صالح الدحان مات مظلوماً مقهوراً ورحل بغصته وقبلهما الشاعر الجبلي والفنان التشكيلي عبدالعزيز إبراهيم وهناك الكثير من المناضلين والمبدعين ماتوا مقهورين مظلومين والقائمة تطول ومنهم من ينتظر، فهذا الدكتور عبده علي عثمان " غاندي اليمن "يعاني والفنان محمد علي قاسم هو الآخر يصرخ من على صحيفة الجمهورية بقوله : "الأعمار بيد الله والشكوى لغير الله مذلة" وأيوب طارش العبسي الذي عانى وما يزال يعاني فقد أحيل إلى التقاعد براتب40 الف ريال وبعد كتابات ونقد وصياح ونواح" تم تعيينه مستشاراً لمحافظة تعز، تدرون بعد كل الضجة التي حصلت كم راتب أيوب من محافظة تعز 35 ألف ريال، والصدمة الكبرى التي تلقيتها هو أن راتب المناضل والوطني الرائع الذي أحبه خصومه قبل محبيه داعية السلام ورافض العنف في زمن العنف والقتال عبدالقادر سعيد أحمد طاهر يرحمه الله أقل من عشرين ألف ريال وهناك مناضلون مبدعون ورموز وطنية لا نعرف عنهم شيئا.
> وأخيراً : إلى متى سنظل نتفرج ونكتب بكائياتنا عن الراحلين بعد رحيلهم، ألا يوجد فينا رجل رشيد واحد يضع حلاً لمثل هذه المآسي، فنحن نسمع عن صناديق كثيرة دخلها السنوي مليارات تنفق في بذخ وسفريات وهدايا، فهل يمكن أن تتفتق عبقريات قادتنا ومفكرينا ومثقفينا عن فكرة صندوق لرعاية المثقفين والصحفيين والمبدعين والرموز الوطنية العصامية بدلاً من صناديق الهبر والسفريات والهدايا.والله لا يسامح كل الصامتين والراضين بالفتات وينتقم من الهبارين وسراق ثروات وثورات الشعب منذ 26 سبتمبر إلى أمس .. آمين آمين آمين.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي