طلاق 'النور' و'الإخوان'

كتب
الثلاثاء ، ٠٥ مارس ٢٠١٣ الساعة ١٢:٥٤ صباحاً

 

بقلم / عبد الحليم قنديل

انتهت العلاقة بين حزب النور وحزب الإخوان إلى طلاق سياسي بائن، وبدا التطور مثيرا في دراما الحياة السياسية المصرية، وإلى حد أن يونس مخيون ـ رئيس حزب النور ـ رفض التوقيع على توصيات ما يسمى بالحوار الوطني، والذي استضافه 'الرئيس' الإخواني محمد مرسي، ورفضت 'جبهة الإنقاذ الوطني' المشاركة فيه، كما غابت عنه قوى إسلامية بينها 'حزب مصر القوية' بزعامة القيادي الإخواني 'السابق' عبد المنعم أبو الفتوح.

بدا يونس مخيون بسمته الهادئ الوقور كأنه تحول فجأة إلى أسد هصور، ألغى كل دواعي التحفظ، وفتح النار على حزب الإخوان، وكشف تراجع مرسي عن اتفاق جرى في لقاء مغلق جمع 'الرئيس' الإخواني بقادة حزب النور، وتعهد فيه مرسي بطرح مبادرة حزب النور على جلسات الحوار الوطني، ثم نكص مرسي على عقبيه بأوامر مكتب إرشاد الإخوان، والذي نفذ عملية اجتثاث أخيرة لممثلي حزب النور في الهيئة الإستشارية للرئيس، وأقال خالد علم الدين مستشار الرئيس لشؤون البيئة، واتهمه بالفساد واستغلال السلطة، وهو ما دفع بآخر مستشاري الرئيس من حزب النور ـ بسام الزرقا ـ إلى الاستقالة احتجاجا على ما جرى لعلم الدين، ثم استقال الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية مما يسمى 'الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح'، والتى كانت بمثابة إطار جامع لمشايخ الإخوان والسلفيين، وكان الداعية الشهير محمد حسان قد سبق برهامي إلى الاستقالة مع آخرين، والمعروف أن برهامي ودعوته السلفية هي السند الأساسي لحركة حزب النور، وهو الذي قاد عملية طرد رجال الإخوان من حزب النور، وأبرزهم عماد عبد الغفور الذي جرى تعيينه مساعدا لمرسي، وأضطر لترك حزب النور مع أنصاره، وكونوا جماعة سياسية جديدة باسم 'حزب الوطن'، أخذت تنسق حركتها مع حزب الإخوان، وتعادي بشدة 'حزب النور'، وتتحرك في تحالف مرئي مع الجماعة الإسلامية وجماعة الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، وتحتمي في ظل الإخوان، وتخضع لنفوذ الملياردير الإخواني خيرت الشاطر.

والمحصلة أن ما يسمى 'المعسكر الإسلامي' قد انقسم فعليا إلى معسكرين، ومع احتمالات قوية لمزيد من الانشقاقات في السياسة، فشعبية الإخوان تتراجع في إطراد، وتكويشهم على المناصب والوظائف يتزايد في جنون، وهو ما دفع 'حزب النور' إلى الابتعاد تدريجيا عن الإخوان، فلم يحصل 'النور' على مزايا تذكر، بينما تتزايد خسائره في الشارع من جراء الحلف مع الإخوان، وبما دفعه إلى استدراك موقفه، خاصة مع تزايد تلاعب قيادة الإخوان داخل حزب النور، وتزايد إغراءاتهم لعناصر فيه بوعود المناصب والدعم المالي، وقد بدا الفتور ظاهرا في علاقة الطرفين منذ أصدر مرسى إعلانه 'الدستوري' المنكود في 21 نوفمبر 2012، والذي اعتبرته القوى المعارضة والثورية انقلابا على شرعية ومشروعية انتخابه كرئيس، وثارت ضده احتجاجات مليونية في الشارع، وحاول الإخوان وقتها دعم مرسي، وإثبات وجودهم في الشارع، ودعوا للاحتشاد أمام قصر الرئاسة، وامتنع حزب النور وقتها عن المشاركة في الاحتشاد 'الإسلامي'، وهو ما كان سببا مباشرا في انكشاف تناقص مقدرة الإخوان على الحشد، ولم تكن تلك هي نهاية تحالف 'النور' مع 'الإخوان'، فقد فضل حزب 'النور' مساندة 'الإخوان' في استقتاء الدستور، ولأسباب تخصه، أهمها النص التفسيري المضاف لإيضاح معنى عبارة 'مبادئ الشريعة الإسلامية'، وبعد انتهاء الاستفتاء الذي قاطعه سبعون بالمئة من الناخبين المصريين المسجلين، أدرك حزب النور أنه لم تعد من فائدة ترجى في أي تحالف مع الإخوان، وتسارعت الخطى في إشهار الخلاف، وجرى إخراج المقربين للإخوان من قيادة حزب النور، وامتنع 'النور' عن أي مساندة للإخوان، وفتحوا قنوات اتصال وحوار مع 'جبهة الإنقاذ' المعارضة، ورفضوا المشاركة في مظاهرة دعت إليها 'الجماعة الإسلامية' بالتنسيق مع الإخوان، وهو ما أضعف الحشد بشدة، وإلى درجة جعلته مثيرا للسخرية من ضآلته، فقد ظهرت قيمة حزب النور وحشوده السلفية الغائبة، والتي كانت تضاعف حشود ما يسمى 'المعسكر الإسلامي'، ولم يكتف حزب النور بمقاطعة أي حشود مشتركة مع الإخوان، بل واصل 'النور' حربه مع الإخوان في مجلس الشورى، وهو مجلس تشريفات أعطاه مرسي حق التشريع الكامل، وبالمخالفة الصريحة لأبسط الملاءمات السياسية، وعلى طريقة الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وفي المجلس ـ غير الشرعي ـ بدت خلافات النور ظاهرة مع الإخوان، خصوصا في مناقشات القروض، وحرص حزب النور على رفض القروض الأجنبية، والتي وافق عليها الإخوان، بينما اعتبر 'النور' فوائد القروض ربوية، ومخالفة للشريعة الإسلامية، واعتبر النور أن موقفه يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يكشف ـ من وجهة نظر 'النور' ـ نفاق الإخوان، ولا مبالاتهم بالشريعة الإسلامية، بينما يحفظ لحزب النور صورته كحزب سلفي محافظ، ويقدمه كاختيار أمثل لقواعد الجمهور الواسعة المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.

وقد تختلف مع حزب النور في بعض تأويلاته للمبادئ الإسلامية المسلم بها، لكن 'النور' ـ مع ذلك ـ قدم مثالا مختلفا في السياسة المصرية، فهو حزب حديث العهد، ولم يمارس رجاله السياسة قبل الثورة، وتصور الإخوان أن بوسعهم الاستيلاء عليه، وجعله على الدوام رديفا تابعا، واستثمار حشوده كرصيد احتياطي جاهز للإخوان، وقد جرى شيء من ذلك على مدى قارب السنتين، لكن رجال 'حزب النور' تعلموا سريعا من التجربة، واكتشفوا انتهازية الإخوان المريعة، وكانت تلك صدمة هائلة لأخلاقية رجال 'النور'، فقد تعود الإخوان على الكذب السياسي، وتحول الكذب عندهم من عادة إلى عبادة، بينما يبدو رجال 'النور' على العكس تماما، لا يكذبون، وإن بدت آرائهم ـ أحيانا ـ صادمة لقطاعات من الرأي العام، فهم حزب يميني محافظ جدا، بينما 'الإخوان' حزب يميني مراوغ، يتحدثون أحيانا عن الدين، وهم الأبعد عن معنى الدين وأخلاقياته، ولا تعنيهم الشريعة، وبقدر ما يعنيهم كسب المال وكسب السلطة، وقد جلبت أخلاقية رجال 'النور' لهم احتراما واسعا في أوساط السياسة المصرية، فهم يختلفون في وضوح، ويتفقون في وضوح، وهو ما يفسر نفورهم المتزايد من كذب الإخوان.

' كاتب مصري

الحجر الصحفي في زمن الحوثي