صراع لقتل تعز

كتب
الأحد ، ٢٠ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٦:١٠ مساءً

 

بقلم: نائف حسان-
مراكز القوى التقليدية والعسكرية في صنعاء حولت تعز الى ساحة صراع. تريد مراكز القوى هذه السيطرة على تعز من خلال ضرب رمزيتها المدنية عبر خلق مراكز مشيخية, وجعلها مركز القوة والنفوذ في تعز.

كان يفترض بتعز أن تُمثل مركز جذب اجتماعي مدني, غير أن الاوغاد نجحوا في جرها نحو نموذجهم القبلي.

تذكرت هذا الخميس وأنا أقرأ خبراً يقول فيه مدير أمن تعز إن (تدخلات مراكز قوى في صنعاء هي من تُسبب فوضى امنية) في المحافظة.

من المؤسف أن التجمع اليمني للإصلاح متورط في الامر, لأن مراكز القوى هذه تستخدم ثقله الاجتماعي والسياسي في جعل تعز ساحة صراع حقيقية عبر استحداث كانتونات مشيخية طارئة, والتحريض على المحافظ شوقي هائل الذي لم يتمكن, منذ اشهر, من استعادة روح تعز الاجتماعية والمدنية.

تواجه تعز خطراً حقيقياً يهدد رمزيتها المدنية؛ بمعناها البسيط والمباشر بالنسبة لمجتمع محكوم بنزعات العصبوية والعنف.

منذ قبل ثورة سبتمبر بقرون؛ وتعز تخضع, ضمن نطاقها المتجانس الممتد الى إب والحديدة, لسلطة مركزية كرست المناطقية معززة ثقافة الغلبة, والاخضاع القائم على سلوكيات الفيد, ومنطق القوة والنخيط.

تشكلت تعز, في الوعي الجمعي لليمنيين, كضحية للاستعلاء المناطقي, وبالتالي الاقصاء والتهميش.

انطلاقاً من ذلك؛ مثلت ثورة الشباب فرصة حقيقية للحياة بالنسبة لتعز اكثر من غيرها.

وقد عمل المد الشعبي للثورة, في أشهرها الأولى على بعث الروح في تعز ودفعها من الهامش الى المتن.

وانطلاقاً من موروث الإخضاع, وسلوكياته اليومية المعاشة؛ حاول النظام السابق إظهار الثورة الشبابية الشعبية باعتبارها تعبيراً عن تعز؛ كانسان وهوية جغرافية.

وقد انعكس هذا الأمر في سلوكيات البلاطجة, الذين لم يتورعوا عن نعت طلاب جامعة صنعاء, الذين فجروا الشرارة الأولى للثورة بـ"اللغالغة" و "البراغلة". أبعد من ذلك؛ كانوا يصرخون في وجوه هؤلاء الطلاب المحتجين, طالبين منهم العودة للتظاهر في "بلادهم"؛ تعز!

حاول النظام السابق الاحتماء بالموروث المناطقي والمذهبي, الذي اعتمد عليه في اخضاع تعز وغيرها من المحافظات, غير أن اليمن كانت اكبر من أن يتم جرها الى إرث الماضي.

وابلغ تعبير تمثل في اتساع رقعة الثورة, التي اخذت بعدا وطنيا حقيقياً يُعبر عن هوية وطنية جامعة لكل اليمنيين. غير ان هذه هوية الوطنية تلاشت سريعا مع التحاق مراكز قوى تقليدية عسكرية وقبلية بالثورة.

اعادت الثورة الشبابية تعز, كمدينة وانسان مقصى, الى الواجهة. خلال الاشهر الاولى للثورة, اخذت تتصاعد قوة المدن, التي ظلت, طوال عقود, ضحية لعملية الاخضاع والهيمنة, مقابل تراجع سلطة المركز, والقوى التقليدية المهيمنة.

وعندما وقع الرئيس السابق, علي عبدالله صالح, اتفاقية نقل السلطة في الرياض, كان الجميع يدرك اهمية وقوة تعز, وقوتها. غير أن ذلك تبدد عندما دخلت الثورة حالة الموت السريري الذي مازالت فيه حتى اليوم.

التحقت القوى التقليدية, قبلية وعسكرية ودينية, بالثورة فبدأت الانتكاسة. بالتدريج؛ تراجعت الثورة كصوت وكفعل شعبي عام. ترافق ذلك مع عودة مراكز القوى التقليدية الى الواجهة محتكرة المشهد, وتعبيراته, وادواته.

لقد جرى تجريد الثورة من هويتها الشعبية والاجتماعية حتى ظهرت كما لو انها صراع داخل القبيلة الحاكمة.

بعد السيطرة على الثورة؛ بدأت القوى التقليدية ذاتها العمل من اجل السيطرة على تعز التي مازالت ساحة مفتوحة للصراع.

لست هنا في صدر التغني بتعز فهذا أمر لطالما نظرت بشفقة لمن يقع فيه. أدرك جيدا خفة الحماسة المفتعلة التي يبديها ممتدحو تعز انطلاقا من وعي مناطقي معاق. لكني أظن أن تعز كان يفترض بها أن تُشكل نواة لدولة مدنية حديثة في اليمن.

أردت أن اكتب عن الخطر الذي يهدد تعز اليوم فأصبحت برهاب من الوقوع في التغني الأخرق بهذه المحافظة التي انتمي إليها.

اشعر بالشفقة حيال من يتغنى يتعز مضفياً عليها امتيازا متعالياً؛ ثقافياً واجتماعياً. يشعرني هذا الأمر بالاشمئزاز؛ خاصة عندما اسمع من يتحدث عن "القضية التعزية" او من يحاول الصاق تعز بالجنوب.

تعز لا تحتاج خطاياً استعلائياً, او نبرة متذاكية يتقمصها اشخاص يضعون انفسهم كضحايا للحماسة المناطقية الضيقة.

كانت تعز, ومازالت ضحية للاستعلاء المناطقي, الذي دفع بها, ضمن عوامل اخرى, نحو تشكيل مجتمع محلي قائم على العمل والانتاج؛ بمعناه البسيط والمتواضع.

اعرف أن كثيرا من أهالي تعز مازالوا اسرى لموروث الهيمنة والإخضاع المناطقي, غير أن مواجهة هذا الأمر باستعلاء مناطقي مضاد يُمثل كارثة كبرى؛ على تعز قبل غيرها.

تشكل الامتياز الإنساني والاجتماعي لتعز من اتجاه أهلها نحو العمل والتعليم.

دعوا تعز تعبر عن ذاتها ضمن سياق تطور إنساني واجتماعي طبيعي, دون محاولة للسيطرة عليها, أو التغني الأخرق بها.

عن: الشارع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي