رغم صكـــــوك الغفـــــــران...

كتب
الثلاثاء ، ٠٨ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٠٦ صباحاً

بقلم: منال الأديمي -
بثياب رثة لا تقيه حر الشمس ولا برد الشتاء القارس , وأقدام تطوي العراء والتعب والمشقة حافية , وجسد نحيل تظهر عليه آثار سوء التغذية واضحة، في الوقت الذي يصرف فيه شاب مدلل مبلغ خمسمائة الف ريال من المال العام ثمن وجبة عشاء في أحد مطاعم العاصمة، للمعرفة فقط والد ذاك الشاب احد كبار الفساد ومجرمي ثورة فبراير.
يوقف الحافلة ذاك الصغير الذي لم يتجاوز بعد الستة أعوام ويصعدها بهموم ومصاعب يحتملها على مضض جسدهُ الصغير، حين صعد ثارت بداخلي مشاعر رحمة وعطف , غضب وقهر عجز , وألم ,خصوصاً حين رأيت على يديه الصغيرتين آثار وتشققات العمل الشاق.. آه يا صغيري لم يبق الفقر والعمل المبكر شيئاً من نعومة يديك الطاهرتين .
تذكرت حينها أني أحمل في حقيبتي قطعة حلوى فقررت أن اعطيها اياه ولم يخالجني شك بأنه سيهم بأخذها سريعاً وستملأ الفرحة عينيه اللتين يستوطنهما الحزن والتعب بعد نهار شاق فكلنا يعلم ما تعنيه الحلوى لطفل... لكن ذلك لم يحدث فقد التفت الى عرضي بتعفف وعزة وبكرامة قال لي(لا شكراً ما اشتيش ) و بابتسامة كسرتني في الصميم أدار وجهه، رفضها على الرغم من أني شعرت من نظراته البريئة أنه قد اشتهاها بالفعل لكنها القناعة والتعفف والكبرياء رغم الحاجة والفقر ...وكم تملك منها يا صغيري الكثير، في حين يفتقدها كبار فاسدين ومجرمي هذا البلد المسكون بلعنة الأطماع وخلافات الطامعين، حينها شعرت بالعجز وقلة حيلتي ..فما عسى قطعة الحلوى تلك أمام ما ترى من عناء ومرارة كل يوم ومع ذلك أصررتُ عليه كثيراً لكن دون جدوى.
طوت بنا الحافلة الطريق ولم أستطع إزاحة نظري عنه، تأملته طويلاً وثارت بداخلي مشاعر الحنق والقهر من واقعنا المؤلم الذي أصبح فيه صغارنا يزاحمون الشباب في لجة الضياع والبطالة وسراب المحسوبية اللامتناهٍ.
تدخلون دوامة العمل والاستغلال مبكراً وسط تجاهل وحرمان من أبسط حقوقكم في بلد لا حقوق فيه إلا لمغتصبي ومتنازعي السلطة والمال العام .
وبشائر الربيع اليمني يا صغيري يبدو أن انتظارنا لها سيطول، لأن بعض مسئولي الدولة في الأمس واليوم مازالوا يمارسون نفس الحماقات والكذب، مبتهجين بلعبة الكراسي المحدودة والمقتصرة على أهل الوفاق، فلا كراسي شاغرة للتغيير والكفاءة وخدمة الوطن .
وأنا أتأمله تذكرت مفارقات الوجع والألم في هذا البلد، ففي الوقت الذي تشقى فيه أنت يا صغيري ومثلك كثيرون ينعم أشخاص لا يتعدون عدد اصابعك الصغيرة بخير وثروات خمسة وعشرين مليوناً إن لم نكن أكثر .
بلد تُدار ثروتها النفطية على يد شبكة مافيا قبلية لم يكن الأمر اكتشافاً لنا اليوم أو سبقاً لموقع الكتروني نشر وثيقة من وثائق ويكليكس، فكلنا يعرف كيف تجري الأمور في هذا البلد، لكن الأمر بات مكشوفاً اليوم خصوصاً في عام سقوط الأقنعة.
لم يستطيعوا الصمود طويلاً ومقاومة خطيئة الطمع والفساد ونهب المستقبل، تماماً كما فعلوا بالماضي، فحلوى السلطة والمال يسيل لهما لعاب أطماعهم..ويتأجج لهما خلافهم، لن يرفضوها أو يتعففوا عنها مثلك أيها الصغير الكبير، لم يتغيروا على الرغم من أننا عمدناهم بدماء الشهداء المقدسة ومنحناهم صكوك غفران الثورة .
وللأسف مازال أولئك الفاسدون وناهبو المال الذين فضحتهم تلك الوثيقة وتتوالى عليهم الفضائح هم ذاتهم من يقتسمون الوطن حكومة , وأرضاً , خيراً , وثروة , بل وحتى بشراً قبل وبعد الثورة .
والأصعب والأمرّ من كل ذلك أننا وللأسف أعدنا تسويقهم ثانية وبجرم الوفاق... قطع حبل أفكاري صوته الصغير يستوقف سائق الحافلة حينها أردت دفع الحساب عنه، لكني لم أجرؤ أن أجرح غنى كبريائه وكرامته التي تجعله عند الله وفي نظري أغنى وأعز من كل كبار لصوص النفط والوطن .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي