شوقي هائل بين نقد الصادقين والمغرضين

كتب
الاثنين ، ٠٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٥٤ مساءً

بقلم :د. عادل الشرجبي -

انتقد بعض شباب الثورة (وانتقدت معهم) القرار الذي اتخذه الأخ محافظ تعز بتشكيل لجنة استشارية من شيوخ القبائل، وطالبناه بحل هذه اللجنة، وانضم إلى جوقة المنتقدين بعض أصحاب المصالح، ورفعوا إلى جانبها مطالب بإلغاء بعض قرارات التعيين التي اتخذها في مكتب التربية والتعليم ومؤسسة الكهرباء، وتنفيذ التعيينات الصادرة عن وزير الكهرباء ووزير التربية والتعليم، وهنا لابد من التفريق بين طبيعة مطالب القوى المدنية ومطالب الذين ركبوا الموجة، فالقوى المدنية تسعى إلى إيصال أفكارها إلى مؤسسات صناعة القرار للتأثير على السياسات، فيما يسعى راكبي الموجة إلى إيصال رجالهم إلى مواقع صناعة القرار بهدف تعظيم حصصهم من السلطة، وتحقيق مكاسب مادية مباشرة لهم وللمحاسيب.

إن نقدنا لتشكيل هذه الهيئة هو نقد للمبدأ وليس نقداً للأشخاص، سواء شوقي هائل أو المشايخ الذين شملهم قرار تشكيل الهيئة، أو مشايخ تعز عموماً، فعلى مستوى شخص شوقي هائل، فنحن نكن له كل الاحترام، ونعلم علم اليقين أنه لم يسع إلى منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، ولا من أجل ممارسة الفساد، فشوقي هائل نشأ في عائلة برجوازية متشربة بالثقافة المدنية، وكل مشروعات عائلة السعيد الصناعية والتجارية والخدمية تؤدي ما عليها من ضرائب وجمارك، وتزيد عليها بتقديم دعم سخي للدولة، فضلاً عن الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية، فالمدارس والمراكز والمساجد التي مولتها تغطي خارطة الجمهورية اليمنية، فيما أصحاب رؤوس الأموال الذين لم يتشربوا الثقافة المدنية يتهربون من دفع ما عليهم من الضرائب والجمارك، بل يرفضون دفع ثمن استهلاكهم من التيار الكهربائي (واسألوا عنهم الأخ وزير الكهرباء)، أما على مستوى مشايخ محافظة تعز فهم ليسوا مقاولي أنفار، فمنذ صباح اليوم التالي لثورة 26 سبتمبر راحوا يدفعون شباب محافظة تعز للانخراط في الجيش الجمهوري، فتشكل في مدينة تعز ألوية الجيش الجمهوري (لواء العروبة، لواء النصر، لواء الوحدة، ولواء السلام)، ولم يشكلوا مليشيات قبلية، ولم يتسلموا "موازنات"، صحيح أن علي عبد الله صالح اعتمد لهم مرتبات من مصلحة شئون القبائل، لكنها أقربللـ"جعالة" منها للمرتبات، ولم ينهبوا أراضي أحد، ولم يقتلوا أحد، بل كانوا هم أنفسهم ضحايا الاغتيال (هزاع البدوي، عبد القوي حاميم، محمد علي عثمان، وأحمد سيف الشرجبي).

نقد القوى المدنية لقرار تشكيل الهيئة الاستشارية التي شكلها المحافظ شوقي هائل، ونقدها لكل التطورات التي شهدتها اليمن منذ التوقيع على المبادرة الخليجية، ينطلق من رؤى ثقافية مدنية، فالمثقف هو الذي يتبنى موقفاً متجانساً تجاه المجتمع والبيئة من حوله، وليس الذي يجيد الكتابة ويسخر قدراته في الكتابة لمهاجمة أشخاص أو الدفاع عن أشخاص، وأشدد هنا على كلمة التجانس في هذا التعريف للمثقف، ذلك أن بعض المتعلمين قد يتخذون أحياناً مواقف مع الدولة المدنية، ولكنها مواقف انتقائية، وليست مبدئية، ولتوضيح ذلك نذكر أن بعض هؤلاء الذين انضموا لجوقة الناقدين لشوقي هائل باسم الدفاع عن المدنية، كانوا خلال الأشهر الماضية يشاركون في حملة تشويه رموز التوجه المدني، وبعضهم شارك أو دعم مؤتمر قبائل اليمن بفعالية، وبعضهم طالب بتمثيل المشايخ (وليس القبائل) في كل هيئات الدولة، ولم يعترض على ترشيح حزبه لمشايخ لتعيينهم محافظين لبعض المحافظات، ولم ينتقد مشاركة بعض كبار قادة القوات المسلحة في مؤتمر مشايخ قبائل اليمن (وليس مؤتمر قبائل اليمن)، وذلك على الرغم من أن أهم سمات الدولة المدنية احتراف المؤسسة العسكرية، وعدم انخراطها في النزاعات الاجتماعية والصراعات السياسية، ولم ينتقدوا وزير الداخلية الذي التقى بعقال الحارات (مشايخ المدن) قبل الانتخابات الرئاسية، وطالبهم بحشد سكان الحارات للمشاركة في الانتخابات،

إن المثقف الداعم للدولة المدنية ينبغي أن لا تقتصر مطالبته بالمدنية على محافظة تعز، بل ينبغي أن تمتد لتشمل اليمن بشكل عام، لذلك أدعو هؤلاء إلى مطالبة أحزابهم بتبني مشروع الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة في مؤتمر الحوار الوطني، وعلى مستوى المواقف الفردية أدعوهم إلى الوقوف مع القوى المدنية من أجل المطالبة، بإلغاء مصلحة شئون القبائل، وإلغاء كشوف الإعاشة التي تصرف من رئاسة الجمهورية، وتوجيه نداء للرئيس هادي بمطالبة المملكة العربية السعودية بإيقاف ما تصرفه من مرتبات شهرية لشيوخ القبائل اليمنية، ومطالبة وزير الداخلية باسترداد السلطة التي خولتها وزارته لعقال الحارات (مشايخ المدن)، ومطالبة وزارة العدل بتأسيس مكاتب توثيق حكومية رسمية في كل مديريات الجمهورية وإلغاء تفويض سلطة كتابة وتوثيق العقود التي خولتها للأمناء، والمطالبة بتنظيم الوصول إلى كل المناصب العليا في جهاز الإدارة العامة عبر المنافسة القائمة على أساس تكافؤ الفرص، ومطالبة الحكومة بالتعامل مع المواطن مباشرة دون وساطة شيوخ القبائل، وتبني مواقف مؤيدة للفيدرالية وتفويض السلطة من المستويات المركزية إلى المستويات المحلية، بما يضعف النزاعات الرأسية التي يغلب عليها الطابع العنيف بين الجماعات، ويعزز النزاعات الأفقية ذات الطبيعة التنافسية السلمية المدنية، التي تقوم بين أفراد لا بين جماعات، وإذا لم يقف هؤلاء مع هذه المطالب فسينطبق عليهم قوله تعالى: "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".

من حائطه على الفيسبوك

الحجر الصحفي في زمن الحوثي