هيكلة الجيش .. و دعوات الخراب !!

كتب
السبت ، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١١:٣٥ مساءً

 

بقلم/ علي ناجي الرعوي 

 

من الواضح أن القرارات الأخيرة للرئيس عبدربه منصور هادي بإعادة هيكلة القوات المسلحة قد لامست العصب الحي عند الكثيرين قياساً بردود الأفعال والمواقف التي باركت تلك القرارات ورأت فيها مؤشراً على الجدية في نزع فتيل التوتر الناتج عن انقسام الجيش إلى درجة أن البعض قد أسبغ عليها مسمى (جنين التحول نحو الدولة المدنية) الذي يتمنى الجميع أن يشكل فاتحة لنجاح مؤتمر الحوار والخروج من دوامة الوضع القائم المشحون بالجاذبات والاتجاهات المتعارضة التي لا تخدم أحدا. 

ولا أبالغ أن قلت أن آراء الناس في هذه القرارات الجرئية والشجاعة قد غلب عليها التعبير الموحد والإجماع على أن أخطر ما يهددنا اليوم هو استمرار الانقسام سواء كان داخل الجيش أو الأمن أو المؤسسات المدنية أو المنظومة السياسية والحزبية .. وفي هذا الإجماع على صوابية القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية بشأن إعادة هيكلة القوات المسلحة دليلاً كافياً على أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني باتت تستشعر حقيقة المخاطر التي كادت أن تسقط اليمن في شركها لولا عناية الله سبحانه وتعالى التي جنبت هذه البلاد الانهيار والانزلاق في حرب أهلية مدمرة على الرغم من كل التوقعات التي كانت تراهن على أن اليمن وبحكم الانتشار الكثيف للسلاح بين مواطنيه هو واقع لا محالة في ذلك المستنقع الذي سيحيله إلى دولة فاشلة على غرار الصومال بكل ما يحمله ذلك من كواراث ليس على الشعب اليمني فحسب وإنما على المنطقة برمتها والأمن والسلام الدوليين. 

ذلك أن تحول اليمن إلى دولة فاشلة –لاسمح الله- يعني تفكك مؤسسات الدولة وشيوع الفوضى والانفلات الشامل الذي يضع البلاد على كف عفريت ومثل هذه الصورة يمكن مشاهدتها مع الأسف الآن في سوريا وما تشهده من عنف ومجازر دامية ومروعة وقتل جماعي وتدمير للمدن والمنشئات والمباني والمؤسسات وعلى النحو الذي يندى له كل ضمير حي. 

وعليه فإذا كان رئيس الجمهورية قد قطع الشك باليقين وقدم بقراراته الأخيرة حجة إثبات على انه لن يتوانى أو يتلكأ في تنفيذ ما وعد به الشعب فان الواجب أيضا على النخب السياسية والحزبية بتعدد أفكارها ومواقفها ورؤاها الإسراع في فك الاشتباك فيما بينها والالتفات إلى شيء واحد هو مصلحة اليمن والحفاظ على وحدته انطلاقاً من دخول مؤتمر الحوار برؤية واحدة تشمل الموضوعات التي ينبغي أن يدور حولها الحوار خاصة وان المعول على هذه النخب السياسية والحزبية أن تشكل القاطرة التي تقود الحوار نحو الغايات والمقاصد التي تصون الوحدة اليمنية من كل المحاولات والدعوات الارتدادية التي تنفخ في نار الفتنة وتسعى إلى إحراق اليمن من أقصاه إلى أقصاه إذ لا يمكن لأحد إن يفترض البراءة في المشاريع التي تتبنها العناصر الانفصالية التي تتنقل بين العواصم العربية والغربية وفنادق الخمس نجوم خاصة وان هذه المشاريع لا تدعونا إلى التوافق على إدارة التحول الذي يشهده اليمن وتحقيق الإصلاح والتغيير الذي يضمن طي صفحة الماضي بكل مالاَته ومآسيه وصراعاته وجراحاته والانتقال إلى واقع جديد تتحقق فيه المواطنة المتساوية والتنمية المستدامة والعدالة التي يستظل بها جميع اليمنيين على حد سواء. 

بل إن ما تطالبنا به تلك المشاريع هو التسليم والاعتراف الصريح بان اليمن الذي ننتمي إليه ونحمل هويته ليس اليمن الذي قرأنا سيرته في كتب التاريخ وجاء ذكره في القراَن و التوراة والإنجيل, كما أن جغرافيا اليمن ليست الجغرافيا التي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا وسطروا فوق ترابها أرفع القيم والمثل الإنسانية وأعظم الحضارات البشرية التي مازالت تحتفظ بألفها ومعالمها وشواهدها حتى اليوم.. 

وليت هذه العناصر الانفصالية قد خجلت من نفسها أمام أمين عام مجلس التعاون الخليجي الذي التقاها في الرياض يوم الثلاثاء الماضي ليدعوها للمشاركة في مؤتمر الحوار والالتحاق بالقطار الوطني ولأن الرجل لم يسمع منها ما يفترض أن يقوله أي عاقل أو صاحب فكر متزن, فقد عمد إلى تذكيرها بأن كياناً يمنياً موحداً سيكون أرحم بالجميع من أحلام وأوهام الانفصال والتمزق إلى كيانات غير قابلة للتعايش حتى لو مؤقتاً.. 

وليت تلك العناصر الانفصالية قد توارت حياءً قبل أن تنكر يمنيتها وتطالب دول الخليج بدعم مشروعها الانفصالي وقيام دولة (الجنوب العربي).. بل ليتها قد فهمت رسالة هذه الدول التي أكدت بوضوح تام أن الانفصال هو عمل مرفوض مهما كانت مبرراته وأنها لن تسمح بتشطير اليمن وقيام كيانات ورقية ومصطنعة, لأن في ذلك ضرراً بالغاً على اليمن وأمن واستقرار المنطقة عموماً. 

لقد حان الوقت لكي تعي تلك العناصر الانفصالية أن الوحدة اليمنية ليست مشروعاً قابلاً للمتاجرة أو المساومة أو المقايضة وأن الشعب اليمني الذي سبق له أن أفشل الانفصال الأول صيف 1994م هو قادر على التصدي لأية محاولة انفصالية جديدة, كما حان الوقت لكي تستوعب تلك العناصر إن الانفصال ليس هو الحل وأن أية مطالب مهما كانت عدالتها لا يمكن أن تعالج عن طريق الانفصال, لأن طرحها على هذا النحو ينتقل بها من منطقة الحق إلى منطقة الباطل. 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي