عاد المراحل طوال ..

كتب
السبت ، ٢٠ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٤ صباحاً

بقلم: عبدالعزيزالهياجم -

وفقاً للإحصاءات المتوافرة فإن أكثر من ستين ضابطاً وقائداً في القوات المسلحة والأمن وأجهزة الاستخبارات قد تم اغتيالهم منذ مطلع العام وهو رقم لا يتعلق فقط بعمليات نفذتها القاعدة أو تنظيمات مسلحة متطرفة وإنما يعكس حقيقة أن هناك تصفية حسابات وتصفية خصوم إذا ما أضيف إليها محاولات الاغتيال التي طالت شخصيات سياسية وحكومية من الوزن الثقيل.
وبالنظر إلى ذلك تبدو المرحلة الانتقالية محفوفة بالمخاطر ويتراءى أمر الحوار الوطني المرتقب على كف عفريت , أما المواطن البسيط الذي خرج مطلع العام الماضي من أجل التغيير وبحثاً عن مستقبل أفضل، فللأسف الشديد ليس متاحاً بالنسبة له حتى الآن سوى ترديد ما قاله الشاعر الكبير مطهر الارياني «يا قافلة عاد المراحل طوال , وعاد وجه الليل عابس».
كان الاستمرار على منوال النظام السابق يعني المزيد من التدهور وتردي الأوضاع , لكن فاتورة التغيير في بلد كاليمن تبدو أيضاً باهظة ومرهقة وليس لها سقف زمني محدد حتى وإن كانت المبادرة الخليجية قد وضعت سقفاً للعملية الانتقالية , يظل الأمر نظرياً وغير قابل للتنفيذ بحذافيره على الأقل من الجانب الزمني .
هناك من يرى أن أفراد المجتمع اليمني مشبعون بثقافة الزهد وأنهم تأقلموا مع ثقافة الحياة المنقوصة، وبالتالي تقبلهم للواقع مهما كانت قساوته , وهذا طرح قد يكون منطقياً بالنظر الى أن قسماً كبيراً من هذا الشعب أظهر دفاعاً مستميتاً عن الواقع الذي كان سائداً قبل أحداث الربيع العربي , ولم يكن ذلك الدفاع عن الوضع القائم ناجماً عن حالة من الرفاهية والعيش الرغيد بقدر ما كان الأمر رفضاً لحالة من التحول أو على الأقل حالة رفض لمن يقودون التغيير وليس للتغيير بحد ذاته.
وهذه الحالة ليست جديدة أو طارئة وإنما هي إنتاج جديد لثقافة قديمة ومترسخة ويمكن استقراؤها بالعودة إلى ما قبل نصف قرن حين لم يشفع الجهل والفقر والمرض والتخلف غير المسبوق بأن تحظى قوى التغيير بمباركة ودعم كل البسطاء الذين ظل جزء كبير منهم مشدوداً إلى ماضٍ لا يختلف فيه الجوع عن الموت في شيء .
كما أن تداعيات ما بعد ربيع «اليمن» العربي , لا تختلف عن تداعيات «خريف » ثورة 1962 , كان هناك طرف جمهوري مسنوداً بدعم خارجي , وطرف ملكي مسنود أيضاً بدعم خارجي , واليوم هناك قوى تغيير تحظى بدعم أطراف خارجية , وقوى تعرف بـ«بقايا النظام» لها أطراف خارجية تدعمها ولديها حلفاء في الداخل تلتقي معها على الأقل في عداء قوى التغيير.
وفي حالة ما بعد ثورة سبتمبر لم تضع الحرب أوزارها إلا بعد مصالحة وطنية تضمنت محاصصة غير مكتوبة كرست حالة من الجمهورية المنقوصة والدولة المشلولة , والاستقرار الهش القائم على المراضاة وسياسة التقاسم للثروة والمناصب والنفوذ , أما في حالة ما بعد ربيع التغيير الثوري فإن هذه المحاصصة أصبحت مكتوبة ومنصوصاً عليها وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهذا الأمر لن يقتصر فقط على العامين الانتقاليين وإنما إلى أمد غير منظور إذا ما نجح الحوار الوطني .
فمؤتمر الحوار الوطني المرتجى منه بالدرجة الأولى إقناع القوى المختلفة بالتعايش في ظل دولة موحدة بصيغة يرتضيها الجميع , وإذا ما حصل هذا التراضي فمن المؤكد أنه سيضمن لتلك الأطراف خصوصاً منها التي رفعت السلاح بحثاً عن الاستقلال كما هو حال فصائل الحراك الجنوبي , وما يشبه حكماً ذاتياً، كما هو الأمر بالنسبة للحوثيين , من البديهي أنه لن ينهي كل تلك المشكلات التي تتصل بالقضايا التي يرفعونها أو يترافعون عنها إلا بتقاسم ومحاصصة تشمل أيضاً الأطراف الأخرى الموقعة على المبادرة الخليجية .
وعليه يبقى حالنا تعيساً في كل الأحوال , إما أن نتجه إلى الحرب أو نفدي الاستقرار التوافقي بحياتنا المعيشية وأحلامنا في الحرية والعيش الكريم.

عن الجمهورية 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي