اكتب من تركيا وحربها السورية

كتب
الاثنين ، ١٥ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٨ مساءً

بقلم: عبد الباري عطوان -

من يزور اسطنبول هذه الايام يشعر انه يزور بلدا في حالة حرب، وفي افضل الاحوال على حافة حرب على وشك ان تنفجر، فالمسألة ليست في ما اذا كانت هذه الحرب ستقع ام لا، وانما متى، وما هي الحادثة التي ستشعل فتيلها؟
سورية في كل مكان في تركيا، في المطارات، في الصحافة، في التلفزيون، في المقاهي، في سيارات التاكسي، الجميع دون استثناء يناقشون حالة التوتر المتصاعدة على الحدود بين البلدين، والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها سلما او حربا، والاخيرة الاكثر ترجيحا حسب معظم آراء المحللين ورجل الشارع ايضا.
جئت الى اسطنبول للمشاركة في منتدى اسطنبول الاقتصادي، الذي يريده السيد رجب طيب اردوغان بديلا شرق اوسطيا لمنتدى دافوس الذي يعقد في نهاية كل عام في سويسرا، كانت هناك نخبة من المسؤولين العرب والشرق اوسطيين مثل السادة نبيل العربي امين عام الجامعة العربية، ومحمود جبريل رئيس وزراء ليبيا الاسبق، والشيخ راشد الغنوشي الذي تغيّب في اللحظة الاخيرة، واوفد نسيبه الدكتور رفيق عبد السلام وزير الخارجية لتمثيل تونس، وآخرون.
مشاركتي كانت في الندوة الاكثر اثارة التي حملت عنوان 'الصحوة العربية' او 'الربيع العربي'، وبدأتها بالقول بأنني اعترض على أمرين، الاول هو القول بأنها ثورات، لأن مواصفات الثورة وهي التغيير الشامل، ونسف ما هو قائم، واقامة نظام جديد على انقاضه، لم تتبلور في اي من الدول العربية التي شهدت مثل هذه الثورات، وافضّل استخدام توصيف الانتفاضة الاكثر قربا مما حدث ويحدث.
اما الاعتراض الثاني فينطبق على تسمية 'الربيع العربي'، فمعظم،ان لم يكن كل الانتفاضات العربية، بدأت في الشتاء وليس في الربيع، فالتونسية في ديسمبر، والمصرية في يناير، والليبية في فبراير، وكذلك اليمنية، والسورية في مارس. الغرب اختار لنا هذه التسمية،اي الربيع العربي، وقبلناها وعممناها، مثلما اختار للشيخ اسامة بن لادن اسم 'القاعدة' لتنظيمه، فما كان من الاخير غير القبول واضافة كلمة الجهاد اي 'قاعدة الجهاد'.
' ' '
قلت ايضا إنني مع البدايات التي ارى ان مطالبها في الكرامة والتحرر والحقوق والتغيير الديمقراطي شرعية ومحقة، ولكنني لست مطمئنا، او بالاحرى واثقا بالنهايات، بسبب محاولات عديدة، من الشرق والغرب، لخطف هذه الانتفاضات او الثورات، وحرفها عن مسارها، من خلال التدخلات الخارجية وما اكثرها.
الاتراك الذين شاركوا في الندوات، والمسؤولين منهم خاصة، مثل السيد احمد داوود اوغلو، لا يريدون الحديث كثيرا عن سورية واحتمالات الحرب معها، حتى لا تستغل المعارضة النشطة كثيرا هذه الايام اي كلمة من هنا او هناك للتصويب على السيد اردوغان وحكومته وسياساته، التي يرون انها خاطئة في التدخل في رمال سورية المتحركة، بل والملتهبة. فالسيد اوغلو صاحب نظرية 'زيرو مشاكل' مع الجيران نجا بأعجوبة من جلسة برلمانية صاخبة انتهت بالتصويت على حجب الثقة عنه، وحمته اغلبية حزبه، العدالة والتنمية، من هذا الاختبار الحرج، خاصة اتهام حكومته بتحويل مخيمات اللاجئين السوريين الى قواعد لتدريب المعارضة السورية المسلحة.
مراد ياتكني رئيس تحرير صحيفة 'حريات' اليومية واسعة الانتشار، لخص الموقف ببراعة في مقالة له في الاسبوع الماضي، وبالتحديد بعد اعتراض المقاتلات التركية طائرة ركاب سورية واجبارها على الهبوط في مطار انقرة، عندما قال 'حتى وقت قريب كان الرأي العام العالمي يتحدث عن وحشية نظام الاسد الذي يقتل شعبه، وانه يجب وقفه، انظر الى وسائل الاعلام العالمية الآن تجدها تركز في معظمها على الصراع التركي ـ السوري'.
اصوات كثيرة تتصاعد الآن من داخل تركيا تقول ان الحرب الاهلية المتأججة في سورية حاليا لا تهدد تركيا، وبكلمات اخرى ليست مسؤولية الاتراك التدخل لوقفها وانقاذ الشعب السوري، دعونا ندافع عنهم، ندعمهم، ولكن يجب ان لا نتورط في الحرب، هذه مسؤولية الآخرين. في المقابل هناك اصوات كثيرة ايضا ترى عكس ذلك تماما، وترى ان هناك واجبا اخلاقيا على تركيا التدخل لحماية الشعب السوري، ولكنها تتناقص تدريجيا وبسرعة مع زيادة التوتر على الحدود، وتراجع احتمالات التدخل الامريكي العسكري، وبرود دعم حلف الناتو لتركيا.
المخاوف التركية تتركز في مسألتين: الاولى ان تتحول تركيا الى باكستان سورية، بمعنى آخر ان تلعب دور باكستان في التحول الى ممر، ومن ثم قاعدة لدعم 'الجهاد' لاسقاط النظام السوري، مثلما فعلت باكستان لاسقاط النظام الشيوعي المدعوم من روسيا في كابول في الثمانينات، والثانية ان يحدث خطأ ما، قذيفة من هنا واخرى من هناك، اسقاط او اعتراض طائرة، مقتل مدنيين، ويكون هذا الخطأ المقصود او المتعمّد الشرارة التي تفجّر حربا شاملة سورية تركية.
السيد اردوغان يؤكد في احاديثه بان تركيا على حافة الحرب، ولكنها لن تخوضها، غير ان لا احد يستطيع ان يتنبأ كيف يمكن ان تتطور الأمور، فهناك حروب تذهب اليها، وهناك حروب تأتي اليك، ولا نستبعد ان تكون الحرب مع سورية من الصنف الثاني بالنسبة الى الحكومة التركية الحالية.
' ' '
تركيا اضطرت لدخول الحرب في شمالي قبرص بمبادرة احادية الجانب، وبعد ان يئست من دعم حلف الاطلسي التي هي عضو فيه، ولكن قبرص ليست سورية، ودرجة المخاطرة اقل، ثم ان الرئيس القبرصي في حينها لم يرد هذه الحرب، ولكن الرئيس الاسد يريدها مع تركيا.
في تركيا خوف من اندلاع حرب طائفية سنية شيعية في المنطقة، والمعارضة تتهم اردوغان بأنه يدعم السنة وهو الذي يرأس دولة علمانية تتعايش فيها المذاهب والأقليات، الأمر الذي دفع السيد اوغلو للرد بالقول ان جميع الزعماء الذين اطاحت بهم ثورات الربيع العربي من السنة مثل حسني مبارك (مصر) ومعمر القذافي (ليبيا) وزين العابدين بن علي (تونس) ولكنه نسي ان علي عبدالله صالح (اليمن) زيدي، وانه لا يوجد شيعة في دول الاتحاد المغاربي او مصر.
نظريا ليس هناك اي جدال بأن تركيا ستكسب الحرب ضد نظام الاسد المستنزف في حرب على جبهات عدة منذ 20 شهرا، ولكن من يستطيع ان يتنبأ بمدى الاحتفاظ بهذا الانتصار، والنتائج التي تترتب عليه، ثم ما هو رد فعل الشعب السوري او قطاع منه في حال تعرض بلاده لتدخل عسكري خارجي، وما هو رد فعل كل من ايران وروسيا والصين؟
آخر اجتماع لاصدقاء سورية كان في تموز (يوليو) الماضي، ولا يلوح في الافق اي مخطط لاجتماع جديد، مما يفسره بعض المحللين الاتراك هنا بان السيد اردوغان قد يجد نفسه وحده في مواجهة الملف السوري.
الاديب السوري الكبير سعد الله ونّوس كتب مسرحية رائعة تحت عنوان 'الفيل يا ملك الزمان' ملخصها ان ملكا جائرا كان يملك فيلا عملاقا تعود ان يروم في شوارع المدينة يحطم بخرطومه واقدامه الغليظة البيوت والمحلات، فقرر احد قادة المدينة الشجعان ان يرتب مسيرة احتجاج الى القصر للشكوى من هذا الفيل، وفعلا ايده الناس وساروا خلفه، ولاحظ انه كلما اقترب الجمع من القصر تناقص العدد حتى وجد نفسه امام البوابة والملك في انتظاره، فسأله الملك بغضب: ماذا بك يا رجل.. قال بتلعثم الـ..الـ.. الفيل يا ملك الزمان.. فقال له وما شأنك انت بالفيل.. قال نعم يا سيدي اريده ان يتزوج من فيلة حتى لا يبقى وحيدا..
فابتسم الملك فرحا.
نأمل ان لا يجد السيد اردوغان نفسه في الايام المقبلة وحيدا امام بوابة دمشق!
Twitter:@abdelbariatwan

الحجر الصحفي في زمن الحوثي